للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هكذا: "وإذا حَلَفَ بالطَّلاق أن لا يأكلَ تمرةً، فوقعت في تمر، فإن أكلَ منه واحدةً مُنِعَ من وطء زوجته، حتى يعلمَ أنها ليستِ التي وقعتْ عليها اليمينُ، ولا يتحَقَّقُ حِنْثَهُ حتى يأكُلَ التمرَ كُلَّه" هذا لفظه.

وآخر كلامه يدلُّ على أن منعه من وَطْئِها إنما هو على سبيل الوَرعَ، فإنه لا يحَرِّمُها عليه بحنث مشكوكٍ فيه، وهذا ظاهرٌ.

وأما مسألة من طلَّقَ ولم يدرِ أواحدة طَلَّقَ أم ثلاثًا فالاحتجاجُ بها في غاية الضعف. وكذلك الإلزامُ بها، فإنَّ الخِرَقِيَّ بناها على كونِ الرَّجعيَّةِ مُحَرَّمَة، ولهذا صرَّح في "المختصر" (١) بذلك في تعليل المسألة فقال: "وإذا طلَّقَ فلم يدرِ أواحدة طلق أم ثلاثا أعتزلَها، وعليه نفقتُها ما دامتْ في العِدَّةِ، فإن راجَعَها في العِدَّةِ لم يطأْها حتى يَتَيَقَّن كم الطلاقُ؛ لأنه متيقِّنٌ للتحريم شاكٌّ في التَّحليل".

فالخِرَقيُّ يقول: هو قد تيَقَّنَ وقوعَ التحريم (٢) وشكَّ، هل الرجعةُ رافعةٌ له أمْ لا؟ وعيره ينازعُه في إحدى المقدمتين، ويستفصلُ في الأخرى فيقول: لا نسلِّمُ أن الرجعية محرَّمَةٌ فلم يتيقن تحريمًا ألبتة، وعلى تقدير أن تكون محرَّمَة، فالتحريم المُتَيَقَّنُ أيّ تحريم يعنون به؛ تحريمًا تُزيله الرجعة أو تحريمًا لا تُزْيله؟ الأول: مُسَلَّم ولا يفيدُكم شيئًا، والثاني: ممنوعٌ، وعلى التقديرين فلا حُجَّة لكم في هذه المسألة ولا إلزامَ، فإنها ليست منصوصةً ولا متفقًا عليها، ولا تَلْزمُه أيضًا، فإنه بناها علي أصله من كون الرجعية محرَّمَةً، فقد تَيَقَّنَ تحريمَها، وشكَّ في رفع هذا التحريم بالرَّجعة، ولا كذلك فيمن


(١) المصدر نفسه: (١٠/ ٥١٤).
(٢) (ظ): "الطلاق".