للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو شهادة الدار (١)، أو الحَبَل في ثُبوت زنا التي لا زوج لها، أو رائحة المسكر أو قيئه، أو وجود المسروق عند من ادُّعِيَ عليه سَرِقَتُهُ على أصحِّ القولين، أو وجوه (٢) الآجُرِّ ومعاقد القُمُط وعقد الأَزَجَ (٣) عند من يقول به، فهذه كلها داخلة في اسم البيِّنة، فإنها اسم لما يُبَيِّنُ الحقَّ ويُوضِّحُهُ.

وقد أرشد الله سبحانه إليها في كتابه، حيث حكى عن شاهد يوسفَ اعتبارَه لقدِّ القميص، وحكى عن يعقوب وبنيه أخذَهُمُ البضائعَ التي باعوا بها بمجرَّدِ وجودِهم لها في رِحالِهم اعتمادًا على القرائن الظاهرة، بأنها وُهِبَتْ لهم ممن يمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيها، وهم لم يشاهدوا ذلك، ولا أُعْلِموا به، ولكن اكتفوا بمجرد القرينة الظاهرة.

وكذلك سليمانُ بن داود حَكَمَ للمرأةِ بالوَلَد بقرينةِ رحْمَتِها له لما قال: "ايتُوْنِي بالسِّكِّيْنِ أَشُقَّهُ بَيْنَكما، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ هو ابْنُها، فَقَضَى به لها" وهذا من أحسن القرائن وألطفها.

وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بتعذيب أحد ابني الحُقَيق اليهودي ليَدُلَّهُ على كَنز حُيَيِّ بن أخطبَ وقد ادَّعى ذَهابَهُ، فقال: "هو أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالعَهْدُ قَرِيبٌ" (٤)، فاستدلَّ بهذه القرينة الظاهرة على كَذِبهِ في دعواه، فأمر الزُّبيرَ أن يُعَذِّبَهُ حتى يُقِرَّ به، فإذا عذَّبَ الوالي المتَّهّمَ إذا ظهر له كَذِبُهُ ليُقِرَّ بالسرقة لم يخرجْ عن الشريعة، إذا ظهرت له رِيبة (٥)، بل


(١) وهي: أن يتنازع رجلان دابة فيتركاها فمن دخلت داره فهي له.
(٢) (ق): "وجود".
(٣) تقدم شرح هذه الكلمات فيما سبق (٣/ ١٠٣٦).
(٤) تقدم الحديثان؛ حكومة سليمان: (ص / ١٢)، وتعذيب ابني الحقيق: (ص/ ١٠٣٧).
(٥) (ع وق): "ريبته".