للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومطلقُ الإيمان يطلقُ على النَّاقص والكامل، ولهذا نفى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإيمانَ المُطلق عن الزَّاني وشارب الخمر والسَّارق ولم ينفِ عنه مطلق الإيمان، فلا (١) يدخل في قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)} [آل عمران: ٦٨]، ولا في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)} [المؤمنون: ١]، ولا في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: ٢]، إلى آخر الآيات، ويدخلُ في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢]، وفي قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩]، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُقْتَل مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ" (٢)، وأمثال ذلك.

ولهذا كان قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] نفيًا للإيمان المطلق لا لمطلق الإيمان لوجوه.

منها: أنَّه أَمرهم أو أَذِن لهم أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقالُ له ذلك.

ومنها: أنَّه قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} ولم يقل: قالَ المنافقونَ.

ومنها: أن هؤلاء هم الجُفَاةُ الذين نَادوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجرات، ورفعوا أصواتَهم فوقَ صوته غلظة منهم وجفاءً لا نفاقًا وكفرًا.

ومنها: أنه قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ولم ينْفِ دخولَ الإسلام في قلوبهم، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلامَ كما نفى الإيمان.

ومنها: أنه قال: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}


(١) (ظ): "لئلآ".
(٢) أخرجه البخاري رقم (١١١) من حديث علي -رضي الله عنه-.