قلت: أسماء الرب -تعالى- هي أسماء ونعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تَنافيَ فيها بين العلمية والوصفية، فالرحمن اسمه -تعالى- ووصفه، لا تُنافي اسميتُه وصفيته، فمن حيث هو صفة؛ جرى تابعًا علي اسم: الله -تعالى-، ومن حيث هو أسم: ورد في القرآن غير تابع، بل ورودَ الاسم العَلَم.
ولما كان هذا الاسم مختصًا به -تعالى-، حَسُن مجيئه مفردًا غير تابع، كمجيء اسمه "الله" كذلك، وهذا لا ينافي دلالته على صفة "الرحمة" كاسمه "الله" فإنه دالٌّ على صفة الألوهية، ولم يجئ قط تابعًا لغيره، بل متبوعًا، وهذا بخلاف العليم والقدير، والسميع والبصير، ونحوها، ولهذا لا تجيء هذه مفردة، بل تابعة (١).
فتأمل هذه النكتةَ البديعةَ؛ يظهرْ لك بها أنّ "الرحمن" اسمٌ وصِفَة، لا ينافي أحدهما الآخر، وجاء استعمال القرآن بالأمرين جميعًا.
وأما الجمع بين "الرحمن الرحيم"؛ ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما، وهو: أنّ الرحمن دالُّ على الصفة القائمة به -سبحانه-، والرحيم دالة على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثانى للفعل، فالأول دال على أنّ الرحمة صفته، والثانى دال على أنَّه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فَهْمَ هذا؛ فتأمل قوله {وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب: ٤٣] {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ (١١٧)} [التوبة: ١١٧]. ولم يجيء قط:"رحمن بهم" فَعُلِم أن "رحمن" هو الموصوف بالرحمة، و"رحيم" هو الراحم برحمته، وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب، وإن تنفست عندها مرآةُ قلبك، لم تنجل لك صورتها.