للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال القاضي (١): ظاهر هذا يقتضي إبطالَ القولِ بالاستحسانِ، وأنه لا يجوزُ قياسُ المنصوصِ عليه على المنصوص عليه.

وجعل المسألة على روايتينِ، ونَصَرَ هو وأتباعُه روايَةَ القولِ بالاستحسان، ونازعهم شيْخُنا في مراد أحمد من كلامه، وقال (٢): "مُرَادُهُ أني أستعملُ النصوصَ كلَّها ولا أقيسُ على أحد النَّصَّيْنِ قياسًا يعارضُ النَّصَّ الآخَرَ، كما يفعلُ من ذكره، حيث يقيسونَ على أحد النَّصَّيْنِ، ثم يستثنونَ موضعَ الاستحسانِ إما لنصٍّ أو لغيره (٣)، والقياسُ عندَهم موجبُ العِلَّةِ (٤)، فينقضونَ العِلَّةَ التي يدَّعُونَ صِحَّتَها مع تساويها في مَحَالِّها.

وهذا من (ق/٣٥٣ ب) أحمد بَيِّنٌ أنه يوجبُ طرد العلَّةِ الصحيحة، وأن انتقاضَها مع تساويها في محالَّها يوجبُ فسادَها، ولهذا قال: "لا أقيسُ على أحد النَّصَيْنِ قياسًا ينقضُهُ النَّصُّ الآخَرُ".

وهذا مثلُ حديث أم سَلَمَة عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ، فلا يَأَخُذْ مِنْ شَعَرِهِ، وَلا مِنْ بَشَرَتهِ شَيْئًا" (٥)، مع حديث عائشةَ: "كنت أَفْتِلُ قلائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَبْعثُ به وهو مقيمٌ، ثم لا يحرُمُ عليه شيءٌ مما يَحْرُمُ على المُحْرِم" (٦).

والناسُ في هذا على ثلاثةِ أقوال:


(١) يعني: أبا يعلى فى كتابه "العدة فى أصول الفقه": (٤/ ١٦٠٥).
(٢) "قاعدة في الاستحسان": (ص/٥١).
(٣) (ق وظ): "إما النص أو غيره".
(٤) "القاعدة": "يوجب العلة الصحيحة".
(٥) أخرجه مسلم رقم (١٩٧٧).
(٦) أخرجه البخاري رقم (١٦٩٦)، ومسلم رقم (١٣٢١).