للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحسنَهُ وأتَمَّهُ وأبعدَه عن المعارض، فثبتَ بذلك صدقُ رسولهِ في كلِّ ما يقوله، وقد أخبر عن المعاد والجنة والنار، فثبتَ صحَّةُ ذلك ضرورةً، فقرَّرتْ هذه الآياتُ (ق/ ٣٦٣ أ)، هذه المطالبَ كلَّها على أحسن وجهٍ، فصدرها تعالى بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}، وهذا خطاب لجميع بني آدَمَ يشتركون كلُّهم في تعلّقِه بهم.

ثم قال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} فأَمَرَهم بعبادة ربِّهم، وفي ضمن هذه الكلمة البرهان القطعيُّ على وجوب عبادَتِهِ؛ لأنه إذا كان ربنا الذي يُرَبِّينا بنعمه (١) وإحسانه، وهو مالكُ ذواتِنا ورقابِنا وأنفسنا، وكل ذرَّةٍ من العبد فمملوكةٌ له ملكاً خالصًا (٢) حقيقياً، وقد ربَّاه بإحسانِهِ إليه وإنعامِهِ عليه، فعبادتُهُ له وشكرُهُ إياه وأجبٌ عليه، ولهذا قال: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، ولم يقل: إلهكم. والرّبُّ هو: السَّيِّدُ (٣) والمالكُ والمنعِم والمربي والمصلحُ، والله تعالى هو الربّ بهذه الاعتبارات كلِّها، فلا شيءَ أوجبُ في العقول والفِطَرِ من عبادةِ مَنْ هذا شأنُه وحدَه لا شريكَ له.

ثم قال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} فنبَّه بهذا -أيضًا- على وجوب عبادَتِهِ وحدَه، وهو كونه أخرجهم من العدم إلى الوجودِ، وأنشأَهم واخترعَهم وحدَه بلا شريك باعترافهم وإقرارهم كما قال في غيرِ موضِعِ من القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧]، فإذا كان هو وحدَه الخالقَ، فكيف لا يكون وحدَه المعبودَ؟! وكيف يجعلونَ معه شريكاً في العبادَةِ! وأنتم مقرُّون بأنه لا شَريكَ له في الخَلْق، وهذه


(١) (ع): "يربُّنا بنعمته".
(٢) (ق): "خاصَّا".
(٣) "والرب هو السيد" سقطت من (ع).