للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريقةُ القرآن يستدل بتوحيد الرُّبوبية على توحيد الإلهيَّةِ.

ثم قال: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، فنبَّه بذلك على أنه وحدَه الخالق لكم ولآبائِكم ومَنْ تَقَدَّمَكم، وأنه لم يشركْهُ أحدٌ في خَلْقِ من قبلكم ولا في خلقِكم، وخلْقُهُ تعالى لهم متضمِّنٌ لكمال قدرتِه وإرادته وعلمه وحكمته وحياته، وذلك يستلزمُ (١) لسائرِ صفاتِ كمالِهِ ونعوتِ جلالِهِ، فتضمَّنَ ذلك إثبات صفاتِهِ وأفعالِهِ، ووحدانيته في صفاته، فلا شبيهَ له فيها، ولا في أفعالِهِ فلا شرَيكَ له فيها.

ثم ذكر المطلوبَ من خَلْقِهم، وهو: أن يَتقُوه فيطيعونه ولا يعصُونه، ويذكرونه فلا يَنْسَوْنه، ويشكرونه ولا يكفرونه، فهذه حقيقةُ تقواه.

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} قيل: إنه تعليلٌ للأمر، وقيل: تعليلٌ للخَلْق، وقيل: المعنى أعبدوه لتتقوه بعبادَتِهِ. وقيل: المعنى خَلَقَكم لِتَتَّقُوه، وهو أظهَرُ لوجوهٍ:

أحدها: أن التقوي هي العبادةُ، والشيءُ لا يكون عِلَّة (٢) لنفسهِ.

الثاني: أن نظيرهُ قولُه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].

والثالث: أن الخلْقَ أقربُ في اللفظ إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} من الأمر.

(ظ/ ٢٥٢ ب) ولمن نصر الأول أن يقول: لا يمتنع أن يكون قولُه:


(١) (ق وظ): "مستلزم".
(٢) (ق): "غاية".