للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} [النمل: ٦٠، ٦١] إلى آخر الآياتِ، على أنَّ في هذه الآياتِ من الأسرار والحِكمِ ما بحَسْب عقولِ العالمِينَ أن يفهموه ويُدْركوه، ولعلَّه أن يَمُرَّ بك إن شاء الله التنبيهُ على رائحة يسيرةٍ من ذلك.

ونظيرُ ذلك -أيضًا- قولُه تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٦٤]، وهذا كثير في القرآن لمن تأمَّلَه.

وذكر -سبحانه-: في آية (البقرة) قرارَ العالم وهو: الأرض، وسقفه وهو: السماء، وأصولَ منافع العباد وهو: الماءُ الذي أنزله من السَماء، فذكر المسْكنَ والسّاكنَ وما يحتاجُ إليه من مصالحهِ، ونبه -تعالى- بجعله للأرض فراشاً على تمامِ حكمتهِ في أن هيّأها لاستقرار الحيوان عليها، فجعلها فراشاً ومهاداً وبِساطاً وقَرَارًا، وجعلَ سقفَها بناءً محكمًا مستوِيًا لا فُطُورَ فيه ولا تفاوُتَ ولا عَيْبَ.

ثم قال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٢]، فتأملْ هذه النتيجةَ وشدَّةَ لزومها لتلك المقدماتِ قبلها، وظَفَر العقل بها بأوَّل وهلةٍ وخُلوصها من كل شبهةٍ وريبٍ وقادح، (ق/ ٣٦٤ أ) وأن كلَّ متكلّم ومستدل ومِحجاج إذا بالغ في تقريرِ ما يقرِّره وأطاله، وأَعْرض القول فيه فغايته -إن صحَّ ما يذكرُه- أن ينتهيَ إلى بعض (١) ما في القرآن


(١) (ق): "فغايته إن صح ما ينتهي أن يذكر بعض ... "، و (ظ): "فغايته إن صح أن ينتهي أن بعض ... "!.