للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوليائِكَ، ولا تُبْقِ منهم أحدًا حتى تستعين به، فهِذا لا يقدمُ عليه إلا أجهلُ العالمِ وأحمقُهُ وأسخفُهُ عقلًا، إن كان غيرَ واثقٍ بصحَّةِ ما يدَّعيه، أو أكملهم وأفضلهم وأصدقهم وأوثقهم بما يقوله.:

والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآيةَ وأمثالَها على أصنافِ الخلائقِ أُمَّيهِم وكتابيِّهم وعَرَبِهم وعَجَمِهم ويقول: لن تستطيعوا ذلك ولن تفعلوه أبدًا، فيعدلونَ معه إلي الحرب والرضى بقتل الأحباب، فلو قدروا على الإتيان بسُورة واحدةٍ لم يعدِلوا عنها إلى اختيارِ المحارَبَةِ، وإيتامْ الأولادِ، وقتلِ: النفوسِ، والإقرار بالعجز عن معارضته.

وتقرير النّبُوَّةِ بهذه الآية له وجوهٌ متعدِّدَةٌ هذا أحدُها.

وثانيها: إقدامُه - صلى الله عليه وسلم - (ق /٣٦٤ ب) على هذا الأمر، وإسجاله على الخلائق إسجالا عامًّا إلى يومِ القيامَةِ، أنهم لن يفعلوا ذلك أبداً، فهذا لا يُقْدِمُ عليه ويخْبِر به إلَّا عن عِلم لا يخالجُه شكٌّ (١)، مستندٍ إلى وحي من الله تعالى، وإلَّا فعلمُ البَشَر وقدرتُه يضعفان عن ذلك.

وثالثها: النظرُ إلى نفس ما تحَدَّى به، وما اشتملَ عليه من الأموِرِ التي تعجَزُ قوى البشر عن الإتيان بمثلِهِ، الذي فصاحَتُهُ ونظمُهُ وبلاغتُهُ فَرْدٌ من أفرادِ إعجازِهِ.

وهذا الوجهُ يكون معجزة لمن سمِعه وتأملَهُ وفهِمَهُ، وبالوجهينِ الأوَّلَينِ يكون معجزةً لكلِّ من بلغه خبَرُهُ ولو لم يفهمْه ولم يتأمَّلْه.

فتأمَّل هذا الموضعَ من إعجازِ القرآن تعرف فيه قصور كثيرٍ من المتكلِّمين، وتقصيرَهم في بيان إعجازه (٢)، وأنهم لن يُوَفُّوهُ عُشْرَ.


(١) (ق): "عن علم لا شك فيه".
(٢) من قوله: "وهذا الوجه ... " إلى هنا ساقط من (ظ).