للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معشارِ حقِّهِ، حتى قَصَرَ بعضهم الإعجاز على صرفِ الدواعي عن معارضتِه مع القُدْرة عليها، وبعضهم قصرَ الإعجازَ على مجرَّد فصاحتِهِ وبلاغتِهِ، وبعضُهم على مخالفةِ أسلوب نظمِه لأساليب نظمِ الكلامِ، وبعضُهم على ما اشتملَ عليه من الإخبارِ بالغيوب، إلىَ غير ذلك من الأقوالِ القاصرةِ التي لا تشفِي ولا تُجْدِي، وإعجازُه فوقَ ذلك ووراءَ ذلك كلِّه.

فإذا ثبتتِ النبُوَّةُ بهذه الحجةِ القاطعةِ، فقد وجبَ على الناس تصديق الرسولِ في خبرِه وطاعةِ أمرِه، وقد أخبر عن الله تعالىَ وأسمائه، وصفاتهِ وأفعالِه، وعن المَعادِ والجَنَّةِ والنَّار، فثبتَ صحَةُ ذلك يقينًا، فقال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ........ } [البقرة: ٢٤ - ٢٥] الآية، فاشتملتِ الآياتُ على تقرير مهمّاتِ أصولِ الدِّين؛ من إثبات خالق العالم وصفاتِه ووحدانيتِه، ورسالةِ رسوله، والمَعادِ الأكبرِ.

* ومن ذلك قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ...... } [البقرة: ٢٦] الآية، وهذا (١) جوابُ اعتراض اعترضَ به الكفَّار على القرآن، وقالوا: إن الرَّبَّ أعظمُ من أن يذكرَ الذبابَ والعنكبوتَ ونحوَها من الحيواناتِ الخسيسةِ، فلو كان ما جاء به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كلام الله، لم َيذكُرْ فيه الحيواناتُ الخسيسة (٢)، فأجابهم -تعالى- بأن قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً (ظ/ ٢٥٣ ب) فَمَا فَوْقَهَا}، فإن ضَربَ الأمثالِ بالبعوضةِ فما فوقَها، إذا


(١) (ق وع): "وهذه".
(٢) من قوله: "فلو كان ... " إلى هنا ساقط من (ع).