للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينَ ذلك من الذُّنوبِ والمصائب، فهي محفوفةٌ بإنعامِ قبلَها وإنعام بعدها (١)، فتبارك اللهُ ربُّ العالمينَ.

ومنها: استخراجهُ -تعالى- ما كان كامِناً في نفسِ عدوِّهِ (٢) إبليسَ من الكبْرِ والمعصيةِ، الذي ظَهَر عند أمرهِ بالسجودِ، فاستحقَّ اللعنةَ والطّردَ والإبعادَ، على ما كان كامِناً في نفسِه عند إظهارِه، والله تعالى كان يعلمُه (٣) منه، ولم يكنْ ليعاقِبَهُ ويلعَنَهُ على علمِه فيه، بل على وقوع معلومِه، فكان أمرُة بالسجود له مع الملائكةِ مُظْهراً للخبث والكفَرِ الذي كان كامناً فيه، ولم تكن الملائكةُ تعلمُه فأظهرَ لهم -سبحانه- ما كان يعلمُهُ، وكان خافياً عنهم من أمره، فكان في الأمرِ بالسجودِ له تكريماً لخليفَتِهِ الذي أخبرهم بأنه يجعله في الأرضِ، وجَبْرًا له، وتأديباً للملائكةِ، وإظهاراً لما كان مستخفِياً في نفسِ إبليسَ، وكان ذلك كلّه سببًا لتمييزِ الخبيثِ من الطَّيب، وهذا من بعض حِكَمِهِ -تعالى- في إسجادِهم لآدَمَ.

ثم إنه سبحانه لما علَّمَ آدَمَ ما علَّمَهُ، ثم امتحَنَ الملائكةَ بعلمِه فلم يعلموه، فأنبأهمِ به آدَمُ؛ كان في طيِّ ذلك جوابًا لهم عن كون هذا الخليفةِ لا فائدة في جعلِهِ في الأرضِ، فإنه يفسِدُ فيها ويسفِكُ الدِّماءَ، فأَراهم من فضلِه وعلمِه خلافَ ما كان في ظّنهم.


(١) من قوله: "ولذريته المؤمنين ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) (ع): "عوره"!.
(٣) (ع): "يعلم".