للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتاب "التحفة المكية"، فاستخرجَ تعالى من هذا الخليفةِ وذرِّيَّته: الأنبياءَ والرُّسُلَ والأولياءَ والمؤمنينَ، وعَمَر بهم الجنةَ، وميَّز الخبيثَ من ذريته من الطَّيِّب، فعَمَرَ بهم النارَ، وكان في ضمن ذلك من الحكمِ والمصالح ما لم تكن الملائكةُ تعلمُه (١).

ثم إنه سبحانه أظهر فضلَ الخليفةِ عليهم بما خصَّه به من العِلمِ الذي لم تعلَمْهُ الملائكةُ، وأمَرَهم بالسجودِ له تكريمًا له وتعظيماً، وإظهارًا لفضلِه، وفي ضمنِ ذلك من الحِكَمِ ما لا يعلمُه إلَّا الله (٢).

فمنها: امتحانُهم بالسجودِ (ظ/٢٥٤ أ) لمن زَعَموا أنه يفسِدُ في الأرض ويسْفِكُ الدِّماء، فأسْجَدَهم له، وأظهر فضلَهُ عليهم، لما أَثنَوا على أنفسِهم وذمُّوا الخليفةَ، كما فَعَلٌ سبحانه ذلك بموسى، لما أخبر عن نفسِهِ أنه أعلمُ أهلِ الأرضِ، فامتحنه بالخَضِر وعَجْزِهِ معه في تلك الوقائع الثلاثِ (٣). وهذه سنّتُه تعالى في خليقته وهو الحكيمُ العليمُ.

ومنها: جَبْرهُ لهذا الخليفةِ وابتداؤُه له بالإكرام والإنعام، لما عَلِم مما يحصلُ له من الانكسار والمصيبةِ والمحنةِ فابتدأه بالخير (٤) والفضلِ، ثم جاءت المحنةُ والبَلِيَّةُ والذّلُّ، وكانت عاقِبَتَها إلى الخير والفضلِ والإحسان، فكانت المصيبةُ التي لَحِقَتْه محفوفةً. بإنعامَيْن: إنعام قبلَها، وإنعام بعدها، ولذريته المؤمنينَ نصيبٌ مما لأبيهم، فإنّ الله تعالى أنعم عليهم بالإيمان ابتداءً وجعل العاقبةَ لهم، فما أصابَهُم


(١) (ع وظ): "ما لم يكن للملائكة تعلّمه".
(٢) من قوله: "وأمرهم بالسجود ... " إلى هنا سقط من (ق).
(٣) المذكورة في سورة الكهف الآيات (٦٠ - ٨٢)، وأخرجها البخاري رقم (٧٤)، ومسلم رقم (٢٣٨٠) من حديث أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه-.
(٤) (ع): "بالجبر".