الرابع: أنه يُحييهم بعد هذه الإماتَةِ فيرجِعون إليه.
فما بالُ العاقلِ يشهدُ الثلاثةَ الأطوارَ الأُوَلَ (١) ويكذبُ بالرابع؟! وهل الرابعُ إلَّا طوْر من أطوار التَّخليق؟ فالذي أحياكم بعد أن كَنتم أمواتًا، ثم أماتكم بعد أنْ أحياكم، ما الذي يُعْجزهُ عن إحيائِكم بعد ما يُمِيتكم؟! وهل إنكارُكم ذلكَ إلَّا كفرٌ مجرَّدٌ بالله؟ فكيف يقعُ منكم بعدَ ما شاهدتموه؟! ففي ضمنِ هذه الآيةِ الاستدلالُ على وجود الخالق وصفاتِه وأفعالِه على المَعاد.
فهذه كالمناظرةِ من الملائكةِ والجواب عن سؤالهم؛ كأنهم قالوا: إن استخلفتَ في الأرضِ خليفة كان منهَ الفساد وسفكُ الدماء، وحكمتك تقتضي أن لا تفعلَ ذلك، وإن جعلتَ فيها فتجعل فيها من يسبحُ بحمدِك ويقدَسُ لك، ونحن نفعلُ ذلك. فأجابهم تعالى عن هذا السُّؤالِ: بأن له من الحكمةِ في جَعْل، (ق/ ٣٦٥ ب) هذا الخليفةِ في الأرض ما لا تعلمُهُ الملائكةُ، وإن وراءَ ما زعمتم من الفَسادِ مصالحَ وحِكَماً لا تعلمونها أنتم، وقد ذكرنا منها قريبًا من أربعينَ حكمةً في