للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمن نسب الولدَ لله فما عرف الربَّ تعالى، ولا آمَنَ به ولا عبدَهُ. فظهرَ أن هذه الحُجَّةَ من أبلغِ الحُجَجِ على استحالةِ نسبةِ الولدِ إليه.

وإن شئت أن تُقَررَ الاستدلالَ بوجهٍ آخَرَ، وهو أن يقالَ: إذا كان نسبةُ السَّمواتِ والأرضِ وما فيهما إليه إنما هى بالاختراع والخَلْق والإبداع، أنشأ ذلك وأبْدَعَهُ من العَدَم (١) إلى الوجود، فكيَف يَصِحُّ نسبةُ شيءٍ من ذلك إليه بالنبوَّةِ، وقدرته على اختراعِ العالمِ وما فيه لم تزَل، ولم يحتجْ فيها إلى معاونٍ ولا صاحب ولا شريكٍ.

وإن شئتَ أن تقَرِّرَها بوجهِ آخَرَ فتقول: النسبةُ إليه بالبنوَّةِ تستلزم حاجتَهُ وفقرَهُ إلى محل الولادةِ، وذلك يُنافي غِناه وانفرادَهُ بإبداع السّمواتِ والأرضِ، وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى بقوله: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: ٦٨] فكمال قدرته، وكمالٌ غناه، وكمالُ ربوبِيَّتهِ، يُحِيلُ نسبةَ الولدِ إليه، ونسبَتُه إليه تقدحُ في كمالِ ربوبيتِهِ، وكمال غناه وكمالِ قدرتهِ.

ولذلك كان نسبةُ الوَلَد إليه مَسَبَّةَ له تباركَ (ق/٣٧٢ ب) وتعالى، كما ثَبَتَ في "الصحيحين" (٢) عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يَقولُ اللهُ تَعالَى شَتَمَنِي ابْن آدَمَ وَما يَنْبغِي لَهُ ذلِكَ، وَكَذَّبنَي ابْنُ آدَمَ وَما يَنْبغِي لَهُ ذلكَ، أمَّا شَتْمُهُ إيّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا وَأنا الأحَدُ الصمَدُ الَّذي لَمْ ألِدْ وَلَمْ أولَدْ وَلَمْ يكُنْ لِي كفُوًا أحدٌ، وَأمَّا تكْذيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُه: لَنْ يُعيدَنِي كما


(١) (ع): من العلوم من العدم"!
(٢) أخرجه البخاري رقم (٤٤٨٢) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ورقم (٤٩٧٥) من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه -. وليس في مسلم.