للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من أجزائِهِ، كما جعل بعض المشركينَ الملائكةَ بنات الله، فقال تعالى: (ق/ ٣٧٢ أ) {وَجَعَلُوا لَهُ (١) مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)} [الزخرف: ١٥]، فإذا كان الله ما في السَّمواتِ والأرض عبيدٌ قانتون مربوبونَ مملوكون، استحالَ أن يكون له منهم شريكٌ وكلُّ من أقرَ بأن لله ما في السّموات وما في الأرض؛ لَزِمَهُ أن يُقِرَّ له بالتوحيد ولا بُدَّ، ولهذا يحتجُّ سبحانه على المُشْرِكينَ بإقرارِهم بذلك، كقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤)} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥] وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيدُ بيانٍ لهذا في موضعه.

الحجة الثانية: قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١١٧]، وهذه من أبلغ الحُجَج على استحالة نسبة الولدِ إليه، ولهذا قال في سورة (الأنعام): {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: ١٠١] أي: من أينَ يكون لبديع السَّمواتِ والأرض ولدٌ؟! ووجهُ تقريرِ هذه الحجَّةِ: أن مَنِ اخترع السمواتِ والأرض -مع عِظَمِهما وَآياتِهما- وفطَرَهما وابتدَعَهما (ظ / ٢٥٨ ب)، فهو قادرٌ على اختراع ما هو دونَهما، ولا نسبةَ له إليهما ألبَتَهَّ، فكيف يخرجون هذا الشخص المعيَّن (٢) عن قُدرتهِ وإبداعِه، ويجعلونَهُ نظيرًا وشريكاً وجُزءاً؟! مع أنه تعالى بديعُ العالَمِ العُلْوِيَّ والسُّفْلِي وفاطرهُ ومخترعُهُ وبارؤهُ، فكيف يُعْجزُهُ أن يوجدَ هذا الشخص من غيرِ أبٍ حتى يقولوا: إنه ولدُهُ؟! فإذا كان قد أبدع العالَمَ عُلْوِيَّهُ وسُفْلِيَّهُ، فما يُعجزهُ ويمنعُهُ عن إبداعِ هذا العبدِ وتكوينهِ (٣) وخلقِه بالقدرةِ التي خلقَ بها العالمَ العُلْويَّ والسفلي؟!.


(١) من قوله: "شريكاً هو نظير ... " إلى هنا ساقط من (ع).
(٢) (ع): "بالعين"، وسقطت من (ق).
(٣) (ق): "عن إبداعه وتكوينه هذا العبد"