النوع الثاني: نفيٌ لا يستلزم ثبوتاً، كنفي صحَّةِ عقدٍ من العقود، أو شرطٍ أو عبادة في الشرعيَّاتِ، ونفي إمكان شيء ما من (١) الأشياء في العقليّاتِ، فالنافي إن نَفَى العلمَ به لم يلزمه دليلٌ، وإن نفى المعلومَ نفسَهُ وادَّعى أنه منتفٍ في نفس الأمر فلا بدَّ له من دليل.
* ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)} [البقرة: ١١٦، ١١٧]، فردَّ عليهم سبحانه دعواهم له اتخاذَ الولد، ونزَهَ نفسَه عنه، ثم ذكر أربعَ حُجَجٍ على استحالَةِ اتخاذِهِ الولَدَ.
أحدها: كونُ ما في السموات والأرض مُلْكاً له، وهذا ينافي أن يكونَ فيهما ولدٌ له؛ لأنَّ الولدَ بعضُ الوالد وشريكُه، فلا يكونُ مخلوقاً له مملوكاً له؛ لأنَّ المخلوقَ مملوكٌ مربوبٌ، عبدٌ من العبيد، والابن نظيرُ الأب، فكيف يكونُ عبدُه تعالى ومخلوقه ومملوكُه بعضَه ونظيرَهُ؟! فهذا منَ أبطلِ الباطل.
وأكَّد مضمونَ هذه الحُجَّةِ بقوله: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (١١٦)}، فهذا تقريرٌ لعبودِيَّتِهم له، وأنهم مملوكونَ مربوبونَ، ليس فيهم شريكٌ ولا نظيرٌ ولا ولدٌ، فإثباتُ الولدِ لله من أعظم الإشراكِ به، فإن المشرِكَ به جعل له شريكاً من مخلوقاتِه مع اعترافِه بأنه مملوكه، كما كان المشركونَ يقولون في تلبيتِهم:"لَبَّيْكَ اللهُمَّ لبيكْ، لبَّيْكَ لا شريكَ لك، إلَّا شَرِيكٌ هو لك، تملكهُ وما مَلَكَ"، فكانوا يجعلونَ من أشركوا به مملوكاً له عبدًا مخلوقًا، والنَّصارى جعلوا له شريكًا هو نظيرٌ وجزءٌ