للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك بالتسليةِ لرسولهِ وللمؤمنينَ عما يقول السفهاءُ من الناسِ، فلا تَعْبثُوا بقولهم، فإنه قول سفيه، ثم قال: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (ق / ٣٧٥ أ) يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)} [البقرة: ١٤٢] فأخبر تعالى أن المشرق والمغربَ: له، وأنه ربّ ذلك، فأين ما تَعَبَّدَ له عبادهُ بأمرِه، إلى أيِّ جهة كانت فهم مطِيعون له، كما قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (١) فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، فلم يُصَلِّ مسقبِلُ الجهاتِ بأمرِه إلا له تعالى، فإذا كنتم تصَلُّون إلى غير الكعبة بأمرهِ، ثم أَمَرَكُم أن تصلُّوا إليها، فما صَلَّيْتم إلَّا له أولًّا وَآخرًا، وكنتم على حق في الاستقبال (٢) الأوَّلِ والآخرِ، لأن كليهما كان بأمرهِ ورضاه، فانتقلتم من رضاه إلى: رضاه.

ثم نبَّهَ على فضلِ الجهةِ التي أمرهم بالاستقبالِ إليها ثانيًا بأنه يهدي من يَشاءُ إلى صراط مستقيم، كما هداكم للقبلةِ التي جعلها قِبْلَتكُمْ، وشرَعها لكم ورضِيَها، ولكن أمركم باستقبالِ غيرِها أولًّا لحكمة له في ذلك, وهي أن يعلمَ -سبحانه- من يَتَّبعُ الرسولَ ويدور معه حيثما دار، ويأتمر بأوامرِهِ كيف تصَرَّفَتْ، وهو العالِمُ بكل شيء، ولكن شاءَ أن يعلمَ معلومَه الغَيبيَّ (٣) عيانا مشاهدًا، فيتميزُ بذلك الراسخُ في الإيمان، المسَلِّمُ للرسولِ، المنقاد له، ممن يعبدُ الله على حَرْف، فينقلبُ على عَقِبيه بأدنى شبهَةٍ.

فهذا من بعضِ حكَمه في أن جعلَ القبلةَ الأولى غيرَ الكعبةِ، فلم يشرعْ ذلك سدًى ولا عَبَثا، ثم أخبر -سبحانه- أنه كما جعل لهم


(١) من قوله: "فأين ما ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) من (ظ)، وسقطت من (ع)، وفي (ق): "الانتقال".
(٣) (ع): "معلومه العيني"، (ق): "علمه الغيبي".