للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أخبر تعالى عن شدَّة كفر أهل الكتاب بأنهم لو أتاهم الرسول بكلِّ آية ما تبعوا قبلته. ففي ذلك التسلية له, وتركهم وقبلتهم.

ثم بَرَّأهُ من قبلتهم فقال: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة: ١٤٥] , ثم ذكر اختلافهم في القبلة, وأن كل طائفة منهم لا تتبع الطائفة الأخرى؛ لأن القبلة من خواصِّ الدين وأعلامه وشعائره الظاهرة, فأهل كل دين لا يفارقون قبلتهم, إلا أن يفارقوا دينهم.

فأخبر تعالى في هذه الجُمل الثلاث بثلاث إخبارات, تتضمَّن براءة كل طائفة من قبله الطائفة الأخرى, وتتضمن الأخبار بأن أهل الكتاب لو رأوا كل آية تدل على صدق الرسول لما تبعوا قبلته, عنادًا وتقليدًا لآبائهم, وأنهم إن اشتركوا في خلاف القبلة الحق, فهم مختلفون في باطلهم, فلا تتبع طائفة قبلة الأخرى, فهم متفقون على خلاف الحق, مختلفون اختيار الباطل.

وفي هذه الآية أيضا تثبيت للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين على لزوم

قبلتهم, وأنه لا يشتغل بما يقوله أهل الكتاب: "ارجعوا إلى قبلتنا فنتبعكم على دينكم" فإن هذا خداع ومكرٌ منهم, فإنهم لو رأوا كلَّ آية تدل على صدقك ما تبعوا قبلتك؛ لأن الكفر قد تمكن من قلوبهم, فلا مطمع للحق فيها, ولست أيضا بتابع قبلتهم, فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم وعودك إلى قبلتهم (١) , وكذلك هم أيضا مختلفون فيما بينهم, فلا يتبع أحد منهم (٢) قبلةَ الآخر, فهم مختلفون في القبلة, ولستم أيها المؤمنون موافقين لأحد منهم في قبلته, بل


(١) "فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم وعودك إلى قبلتهم" سقطت من (ق).
(٢) (ظ): "أحدهم".