للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي قوله: {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)} [المائدة: ٤٨] (ق / ٣٧٦ ب) سر آخر أيضًا ,وهو أن هذا الاختلاف دليل على يوم الفصل, وهو اليوم الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق, وبين لهم حقيقة ما اختلفوا فيه, فنفس الاختلاف دليل على يوم الفصل (١) والبعث, وقد أوضح ذلك قوله تعالى: في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩)} [النحل: ٣٨] فذكر تعالى حكمتين بالغتين في بعثة الأموات بعد ما أماتَهم:

إحداهما: أن يبين (٢) للناس الذي اختلفوا فيه, وهذا بيانٌ عيانيٌّ تشترك فيه الخلائق كلهم, والذي حصل في الدنيا بيان إيماني اختص به بعضهم.

الحكمة الثانية: علم المبطل بأنه كان كاذبا, وإن كان على باطل, وأن نسبة أهل الحق إلى الباطل من افترائه وكذبه وبهتانه, فيخزيه ذلك أعظم خزي.

فتأمل أسرار كلام الرب تعالى, وما تضمنته آيات الكتاب المجيد من الحكمة البالغة الشاهدة بأنه كلام رب العالمين, والشاهدة لرسوله بأنه الصادق المصدوق, وهذا كله من مقتضى حكمته وحمده تعالى, وهو معنى كونه خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق, ولم يخلق ذلك باطلا, بل خلقه خلقا صادرا عن الحق, آيلا إلى الحق,


(١) من قوله: "وهو اليوم ... " إلى هنا ساقط من (ظ).
(٢) (ق): "يتبين".