للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَلَبَ العَلَقَة حتى صارت أكمل مما هي (١) , حتى خلقها فسوى خلقها, فدبرها بتصريفه وحكمته في أطوار كمالاتها حتى انتهى كمالها بشرا سويا, فكيف يتركه سدى لا يسوقه إلى غاية كماله الذي خلق له.

فإذا تأمل العاقل البصير أحوال النطفة من مبدئها إلى منتهاها دلَّته على المعاد والنبوات, كما تدله على إثبات الصانع وتوحيده وصفات كماله, فكما تدل أحوال النطفة من مبدئها إلى غايتها على كمال قدرة فاطر الإنسان وبارئه, فكذلك تدل على كمال حكمته, وعلمه وملكه, وأنه الملك الحق المتعالى عن أن يخلقها عبثا ويتركها سدى بعد كمال خلقها.

وتأمل كيف لما زعم أعداؤه الكافرون أنه لم يأمرهم ولم (٢) ينههم على ألسنة رسله, وأنه لا يبعثهم للثواب والعقاب, كيف كان هذا الزعم منهم قولا بأن خلق السموات والأرض باطل, فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ (٣) وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} [ص: ٢٧].

فلما ظن أعداؤه أنه لم يرسل إليهم رسولا, ولم يجعل لهم أجلًا للقائه, كان ذلك ظنا منهم أنه خلق خلقه باطلا, ولهذا أثنى تعالى على عباده المتفكرين في مخلوقاته بأن أوصلهم فكرهم فيها إلى شهادتهم بأنه تعالى لم يخلقها باطلا, وأنهم لما علموا ذلك وشهدوا به, علموا أن خلقها يستلزم أمره ونهيه وثوابه وعقابه, فذكروا في


(١) من قوله: "وهي العلقة ... " إلى هنا ساقط من (ظ).
(٢) من (ظ).
(٣) وقع في الأصول: "السماوات"!.