للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ملكه, ولم يقدره حق قدره, كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١].

فمن جحد شرع الله وأمره ونهيه, وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة؛ فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره, وكذلك كونه تعالى الإله الحق (١) يقتضي كمال ذاته وصفاته وأسمائه, ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها, فكما أن ذاته الحق فقوله الحق, ووعده الحق, وأمره الحق, وأفعاله كلها حق, وجزاؤه المستلزم لشرعه (ظ / ٢٦٢ أ) ودينه ولليوم الآخر حق.

فمن أنكر شيئًا من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من كل وجه وبكل اعتبار, فكونه حقا يستلزم شرعه ودينه وثوابه وعقابه, فكيف يظن بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثا, وأن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم, كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} [القيامة: ٣٦] قال الشافعي رحمه الله: مهملا لا يؤمر ولا ينهى (٢). وقال غيره: لا يجزي بالخير والشر, ولا يثاب ولا يعاقب, والقولان متلازمان, فالشافعي ذكر سبب الجزاء والثواب (ق / ٣٧٨ ب) والعقاب, وهو الأمر والنهي, والآخر ذكر غاية الأمر والنهي, وهو الثواب والعقاب.

ثم تأمل قوله تعالى بعد ذلك: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨)} [القيامة: ٣٧ - ٣٨] فمن لم يتركه وهو نطفة سدى, بل قلب النطفة وصرفها, حتى صارت أكمل مما هي وهي العلقة, ثم


(١) كذا في (ق وظ)، وفي (ع): "الإله الخلق"!.
(٢) في "الرسالة": (ص/ ٢٥)، و"الأم": (٧/ ٢٩٨).