للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الثاني: أن الخطاب إذا بلغ طائفة ترتب في حق غيرهم، ولزمهم كما لزم من بلغه، وهذا اختيار كثير من أصحاب الشافعي وغيرهم.

الثالث: الفرق بين الخطاب الابتدائي والخطاب الناسخ، فالخطاب الابتدائي يعم ثبوته من بلغه وغيره، والخطاب الناسخ لا يترتب في حق المخاطب إلا بعد بلوغه، والفرق بين الخطابين: أنه في الناسخ مستصحب لحكم مشروع مأمور به، بخلاف الخطاب الابتدائي، ذكره القاضي أبو يعلي في بعض كتبه، ونصوص القرآن والسنة تشهد للقول الأول، وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليها إشارة.

قال أبو القاسم (١): وفي الحديث دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس يعني: قوله للبراء: "لقد كنت على قبلة" (٢)، وقالت طائفة: ما صلى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة (ق / ٣٨٠ أ) عشر شهرا، أو ستة عشر شهرا. فعلى هذا يكون في القبلة نسخان، نسخ سنة بسنة، ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس" (٣)، فلما كان - صلى الله عليه وسلم - يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة؛ ولذلك -والله أعلم- قال الله تعالى في الآية الناسخة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٩] أي:


(١) أى السهيلي في "الروض الأنف" كما تقدم.
(٢) تقدم قريبًا.
(٣) انظر "فتح الباري": (١/ ١١٩).