للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفعل، القادر عليه، الذي لو أراده لفعله، على العاجز عن الفعل؛ إما لاستحالته في نفسه أو لعجزه عنه لجامع ما يشتركان فيه من كون الاستطاعة مع الفعل، ومن تعلَّق علم الرَّبِّ تعالى بعدم وقوع الفعل منهما = فقد جمع بين ما علم الفرق بينهما عقلًا وشرعًا (١) وحسًا، وهذا من أفسد القياس وأبطله، والعبد مأمورٌ من جهة الرَّبِّ تعالى ومنهىٌّ.

وعند هؤلاء: أنَّ أوامره تكليفٌ لما لا يطاقُ، فهي غير مقدورة للعبد، وهو مجبورٌ على ما فعله من نواهيه، فتركها غير مقدور له، فلا هو قادرٌ على فعل ما أمر به، ولا على ترك ما ارتكبه مما نهى عنه، بل هو مجبر في باب النَّواهي، مكلَّفٌ بما لا يُطيقه في باب الأوامر.

وبإزاء هؤلاء القدريَّة، الذين يقولون: إن فعل العبد لا يتوقَّف على مشيئة الله ولا هو مقدورٌ له سبحانه، وأنه يفعله بدون مشيئة الله لفعله، ويتركه بدون مشيئة الله لتركه، فهو الذي جعل نفسه مؤمنًا وكافرًا، وبرًا وفاجرًا، ومطيعًا وعاصيًا، والله لم يجعله كذلك، ولا شاء منه أفعاله، ولا خلقها، ولا يوصف بالقدرة عليها.

وقول هؤلاء شرٌّ من قول أولئك من وجهٍ، وقول أولئك شرٌّ من قول هؤلاء من وجهٍ وكلاهما ناكبٌ عن الحقِّ جائر (٢) عن الصِّراط المستقيم (٣).


(١) (ق): "عمدًا ومشرعًا".
(٢) (ظ): "حائد"، و (ق): "حائز".
(٣) انظر في مسألة التكليف بما لا يُطاق: "شفاء العليل": (١/ ٣٢٠)، و"مجموع الفتاوى": (٨/ ٢٩٣ - ٢٩٤)، و"منهاج السنة": (٣/ ١٠٤ - ١٠٧).