للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمرًا بما لا يطاق؟ والصواب: أن عَدَمَ مشيئة الرَّبِّ له لا يخرجه عن كونه ممكنًا في نفسه، كما أنَّ عدم مشيئته لما هو قادرٌ عليه من أفعاله لا يخرجه عن كونه مقدورًا له، وإنما يخرج الفعل عن الإمكان إذا كان بحيث لو أراده الفاعل لم يمكنه فعله، وأما امتناعه لعدم مشيئته فلا يخرجه عن كونه مقدورًا (١) ويجعله محالًا.

فإن قيل: هو موقوفٌ على مشيئة الله، وهي غير مقدورةٍ للعبد، والموقوف على غير المقدور غير مقدور.

قيل: إنما يكون غير مقدور إذا كان بحيث لو أراده العبد لم يقدر عليه، فيكون عدم وقوعه لعدم قدرة العبد (٢) عليه، فأما إذا كان عدم وقوعه لعدم مشيئته له، فهذا لا يخرجه عن كونه مقدورًا له، وإن كانت مشيئته موقوفةً على مشيئة الرَّبِّ (ظ / ٢٦٤ ب) (ق / ٣٨٣ ب) تعالى، كما أن عدم وقوع الفعل من الله لعدم مشيئته له، لا يخرجه عن كونه مقدورًا له، وإن كانت مشيئته تعالى موقوفةً على غيرها من صفاته كعلمه وحكمته.

فالنزاع في هذا الأصل يتنوَّع إلى النَّظر إلى المأمور به، وإلى النظر إلى جواز الأمر به ووقوعه، ومن جعل القسمين واحدًا، وادَّعى جواز الأمر به مطلقًا لوقوع بعض الأقسام التي يظنُّها مما لا يُطاقُ، وقاس عليها النوع الذي اتَّفق الناس على أنه لا يطاق، وأن وقوع ذلك النوع يستلزم لوقوع القسم المتَّفق على أنه لا يطاق، أو على جوازه = فقد أخطأ خطأً بيِّنًا (٣)، فإن من قاس الصحيح المتمكِّن من


(١) من قوله: "له وإنما ... " إلى هنا ساقط من (ظ).
(٢) (ق): "غير العبد"!.
(٣) سقطت من (ق).