للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما نزلت في غزوة تبوك في سياق ذمِّ المتخلفينَ عن رسول الله -صَلى الله علَيه وسلم- فأخبرَ تعالى أن المؤمنينَ لم يكونوا لينفروا كافَّةً، ثم وبَّخهم توبيخًا متضمِّنًا للحضِّ على أن ينفرَ بعضهم ويقعدَ بعضُهم.

وأصح القولين: أنه ينفرُ منهم طائفةٌ في السَّرَايا والبعوثِ، وتقعدُ طائفةٌ تَتَفَقَّهُ في الدين فتنذرُ القاعدةُ الطائفةَ النافِرَةَ إذا رَجَعَتْ إليهم، وتخبرُهم بما نَزَلَ بعدَهم من الحلالِ والحرامِ والأحكامِ؛ لوجوه:

أحدها: أن الآيةَ إنما هي في سياقِ النَّفِيرِ في الجهاد وتوبيخِ القاعدينَ عنه.

الثاني: أن النفيرَ إنما يكونُ في الغزو، ولا يقالُ لمن سافر في طلب العلم: إنه نَفَرَ ولا استنفَرَ، ولا يقالُ للسفر فيه: نفيرٌ.

الثالث: أن الآية تكونُ قد اشتملتْ على بيان حكمِ النَّافرين والقاعدينَ، وعلى بيانِ اشتِراكِهم في الجهادِ والعلمِ، فالنَّافرونَ أهلُ الجهاد، والقاعدونَ أهلُ التَّفَقُّهِ، والدِّينُ إنما يتمُّ بالجهاد والعلم، فإذا اشتغلت طَائفةٌ بالجهادِ (ق/٣٨٩ أ) وطائفةٌ بالتَّفَقُّهِ في الدِّين، ثم يُعَلِّم أهلُ الفقهِ المجاهدينَ إذا رجعوا إليهم، حصلتِ المصلحةُ بالعلمِ والجهادِ وهذا الأليقُ بالآية، والأكملُ لمعناها، وأما إذا جُعِل النفيرُ فيها نفيرًا لطلبِ العلمِ لم يكنْ فيها تعرُّضٌ للجهادِ، مع إخراجِ النفيرِ عن موضوعه (١).

والذي أوجبَ لهم دعوى أن النفيرَ في طلب العلم: أنهم رَأوا الضميرَ إنما يعودُ علي المذكور القريبِ، فالمُنْذِرونَ هم النَّافِرُونَ وهم المُتَفَقِّهونَ.


(١) (ظ): "موضعه".