للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: ١٧٣]، ونظائره.

وأما قولُه: "نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي" (١)، فقال صاحب "التسهيل" (٢): إن الاستقبال في "سمع" جاء من كونِه وقع صفةً لنكرةٍ عامةٍ، وهذا وهمٌ -أيضًا- فإنَّ ذلك لا يوجِبُ استقبالًا بحالٍ، تقولُ: "كم مالٍ أنفقتَهُ، وكم رجلٍ لقيتَهُ، وكم نعمةٍ كَفَرها أبو جهلٍ، وكم مشهدٍ شهِدَه عليٌّ مع رسول الله -صَلى الله علَيه وسلم-"، وإنما جاء الاستقبالُ من جهةِ ما تضمَّنه الكلامُ من الشرطِ، فهو في قُوَّة: "مَن سَمِعَ مقالتي فوعاها نَضَّرَهُ اللهُ"، فتأَمَّلْه.

وكذلك إذا وقعَ (ق/٣٨٩ ب) مضافًا إليه حيث صَلَحَ للاستقبال إذا تضمَّنتْ معنى الشرط، كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠]، فلم يأتِ الاستقبالُ هاهنا من قِبل "حيثُ" كما ظنَّه، وإنما جاء من قِبَل: ما تضمَّنه الكلامُ من الشرط، ولهذا لو تجرَّدَ من الشرط لم يكنْ إلَّا للمضيِّ، كقولك: "اذهبْ حيثُ ذَهَبَ فلانٌ". وأما قول الشاعر (٣):

وإني لآتيكم بتذكار (٤) ما مَضَى ... من الأمرِ واستحبابِ ما كانَ في غَدِ فلم تكن "كان" هاهنا مستقبلةَ المعنى لكونِها في صلَةِ الموصول،


(١) أخرجه أحمد: (٢١/ ٦٠ رقم ١٣٣٥٠)، وابن ماجه رقم (٢٣٦) وغيرهما من حديث أنسٍ -رضي الله عنه- وله شواهد من حديث جماعة من الصحابة، يُصحح الحديث بها.
(٢) انظر ما تقدم.
(٣) البيت للطرماح "ديوانه": (ص/٥٧٢ - الملحق)، وهو في "الخصائص":
(٣/ ٣٣١).
(٤) في النسخ: "بذكر"!.