للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسبب, فيقول: إن جئتني، فيشبه الاستثناء ويغني عن الجواب ما تقدم، وهذا قول البصريين.

وخالفهم أهل الكوفة، وقالوا: المتقدم هو الجزاء، والكلام مرتبط به، وقولهم في ذلك هو الصواب، وهو اختيار الجرجاني (١)، قال: "الدليل على أنك إذا قلت: آتيك إن أتيتني، كان الشرط متصلًا بآتيك، وأن الذي يجري في كلامهم: لابدّ من إضمار الجزاء، ليس على ظاهره، وأما إن علمنا على ظاهر يُوْقِفُنا (٢) أن الشرط متقدم في النفس على الجزاء، صار من ذلك شيئان؛ ابتداءُ كلام ثان، ثم اعتقاد ذلك يؤدي إلى إبطال ما اتفق عليه العقلاء في الأَيمان، من افتراق الحكم بين أن يصل الشرط في نطقه، وبين أن يقف، ثم يأتي بالشرط، وأنّه إذا قال لعبده: "أنت حرٌّ إن شاء الله"، فوَصل لم يعتق، ولو وقف، ثم قال: "إن شاء الله"، فإنه يعتق.

فإذا سمعت ما قلنا عرفت خلاف المسألة، فالمشهور من مذهب البصريين امتناع تقديم الجزاء على الشرط" هذا كلامه.

قلت: ولم يكن به حاجة في تقرير الدليل إلى الوقف بين الجملة الأولى وجملة الشرط، فالدلالة قائمة ولو وصل، فإنه إذا قال: "أنت حر"، فهذه جملة خبرية، ترتب عليها حكمها، عند تمامها (٣) ,


(١) هو: عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني أبو بكر العلاّمة؛ شيخ العربية صاحب "الدلائل" والأسرار" ت (٤٧١).
انظر: "إنباه الرواة: (٢/ ١٨٨) , و"طبقات الشافعية": (٥/ ١٤٩)، و"السير": (١٨/ ٤٣٢).
(٢) العبارة غير مكررة في الأصول، والمثبت من (ق).
(٣) من قوله: "فالدلالة قائمة ... " إلى هنا ساقط من (ق).