للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه إذا قال: "أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة"؛ وقد أوقع الثلاثة، ثم رفع منها واحدة، وهذا مذهب باطل!! فإن الكلام مبني على آخره، مرتبط أجزاؤه بعضها ببعض، كارتباط التوابع من الصفات وغيرها بمتبوعاتها، والاستثناء لا يستقلّ بنفسه، فلا يقبل إلا بارتباطه بحسب قبله، فجرى مجرى الصفة والعطف.

ويلزم أصحاب هذا المذهب أن لا ينفع الاستثناء في الإقُرار؛ لأن المقَرَّ به لا يرتفع بعد (١) ثبوته، وفي إجماعهم على صِحَّته دليلٌ على إبطال هذا المذهب، وإنما احتاج الجُرجاني إلى ذكر الفرق بين أن يقف أو يصل؛ لأنه إذا وقف عَتَقَ العبد، ولم ينفعه الاستثناء، وإذا وصل لم يعتق، فدل على أن الفرق بين وقوع العتق وعدمه هو السكوت. والوصل هو المؤثر في الحكم لا تقدم الجزاء وتأخُّره، فإنه تأثير له بحال. وما ذكر ابن السرَّاج، أنه إنّما يأتي في الضرورة؛ ليس كما قال، فقد جاء في أفصح الكلام، وهو كثير جدًا، كقوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: ١١٨] , وقوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)} [آل عمران: ١١٨] وهو كثير.

فالصواب: هو (٢) المذهب الكوفي، والتقدير إنما يُصَار إليه عند الضرورة، بحيث لا يتم الكلام إلا به، فإذا كان الكلام تامًّا بدونه، فأيُّ حاجة بنا إلى التقدير، وأيضًا فتقديم الجزاء ليس بدون تقديم الخبر والمفعول والحال ونظائرها.


(١) (ظ ود): "لا يرفع".
(٢) من (ق).