للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السبب الثاني يَخْلُف السبب الأول، كقولنا في زوج هو ابن عم: "لو لم يكن زوجًا لوَرِث"، أي بالتعصيب، فإنهما سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدم الآخر، وكذلك الناس ها هنا في الغالب، إنما لم يعصوا لأجل الخوف، فإذا ذهب الخوف عنهم عصوا، لاتحاد السبب في حقهم، فأخبر عمرُ أن صهيبًا اجتمع له سببان يمنعانه المعصية: الخوف والإجلال، فلو انتفى الخوف في حقه، لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال، وهذا مدح عظيم له.

قلت: وبهذا الجواب بعينه يجاب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في ابنة حمزة (١)، "إِنَّها لَوْ لَم تكنْ رَبيْبتِي في حَجْرِي لَما حَلَّتْ لي إنَّها ابْنَةُ أخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ" أي: فيها سببان يقتضيان التحريم، فلو قُدِّر انتفاء أحدهما لم ينتف التحريم للسبب الثاني.

وهذا جوابٌ حَسَنٌ جدًّا.

الجواب الرَّابع: ذكره بعضهم بأن قال: جواب "لو" محذوف وتقديره: "لو لم يخف الله لعصمه فلم يعصه بإجلاله له (٢) ومحبته إِيَّاه"، فإن الله يعصم: عبدَه بالخوف تارة، و [المحبة] (٣) والإجلال


(١) كذا في الأصول، وهو وهم، فإن الذي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك هي: بنت أبي سلمة؛ لأن أباها أبو سلمة أخو النبي من الرضاعة، وأمها أم سلمة زوج النبي، فهي ربيبته.
والحديث أخرجه البخاري رقم (٥١٠١) ومسلم رقم (١٤٤٩) من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنهما - أما حديث بنت حمزة، فقال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنها ابنة أخي من الرضاعة" أخرجه البخاري رقم (٢٦٤٥) , ومسلم رقم (١٤٤٧).
(٢) من (ق).
(٣) في الأصول: "والخوف"، والمثبت هو الصواب، بدليل ما بعده.