للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أردت أن أنصحَ لكم لا ينفعكم نُصْحِي، وتقول: "إن دخلت المسجدَ (١) إن توضأتَ فصل ركعتين"، تقديره: إن توضأت، فإن دخلت المسجد فصلِّ ركعتين، فالشرط الثاني هنا متقدِّم.

وإذ لم يكن أحدهما متقدماً في الوجود على الآخر، بل كان محتملاً للتقدم والتأخر؛ لم (٢) يحكم على أحدهما بتقدم ولا تأخر، بل يكون الحكم راجعاً إلى تقدير المتكلِّم ونيته، فأيهما قدره شرطاً كان الآخر جواباً له، وكان مقدراً بالفاء تقدم في اللفظ أو تأخر، وإن لم يظهر نِيَّة ولا تقدير احتمل الأمرين، فمما ظهر فيه تقديم المتأخر، قول الشاعر:

إن تَسْتغيثوا بِنا إنْ تُذْعَرُوا تَجِدوا ... مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانها الكَرَمُ (٣)

لأنَّ الاستغاثة لا تكون إلا بعد الذُّعر، ومنه قول ابن دُرَيد (٤):

فإنْ عَثَرتُ بَعْدها إنْ وألَتْ ... نَفْسي مِن هَاتَا فقولا لا لَعَا

ومعلوم أن العثور مرة ثانية (٥) إنما يكون بعد الذُّعر، ومن المحتمل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠]، يحتمل أن تكون الهبة شرطاً ويكون فعل الإرادة جواباً له، ويكون التقدير: إن وهبت نفسها للنبي فإن أراد النبي أن يستنكحها فخالصة له، ويحتمل أن تكون


(١) (ق): "الدار".
(٢) (ق): "للتقديم والتأخير ولم".
(٣) البيت في "الخزانة": (١١/ ٣٥٨) ولا يُعرف قائله.
(٤) ضمن المقصورة، وانظر "المقصورة": (ص/ ٢٠ - مع شرح التبريزي).
(٥) (ق): "العبور الثاني".