للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى متعلقاً بما ظهر وبطن، وواقعاً على ما قَرُب وشَطَن، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم؛ فهو أولى بالتقديم.

وأما تقديم "الغفور" على "الرحيم"؛ فهو أولى بالطبع (١)؛ لأنَّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة، والسلامة تُطْلب قبل الغنيمة. وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعَمْرو بن العاص: "أَبْعَثُكَ وَجْهاً يُسَلِّمُكَ اللهُ فِيْهِ وَيُغَنِّمُكَ وَأَزْعَبُ لَكَ زَعْبَةً مِنَ المَالِ" (٢)، فهذا من الترتيب البديع، بدأ بالسلامة قبل الغنيمة، وبالغنيمة قبل الكسب.

وأما قوله: {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: ٢] في سبأ فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة، فإِمَّا بالفضل والكمال، وإما بالطبع؛ لأنها منتظمة بذكر أصناف (٣) الخلق من المكلّفين وغيرهم من الحيوان، فالرحمة تشملهم والمغفرة تخصُّهم، والعموم بالطبع قبل الخصوص، كقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨] وكقوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨].


(١) (ق): "بالتقديم بالطبع".
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٩٧ و ٢٠٢)، والبخاري في "الأدب المفرد": (ص/٩٧)، وابن حبّان "الإحسان": (٨/ ٧)، والحاكم: (٢/ ٢٣٦) وغيرهم.
كلهم من طرقٍ عن موسى بن عُلَيّ بن رباح عن أبيه عن عَمْرو بن العاص به.
والحديث صححه الحاكم وابن حبان، والذهبي والألباني في "صحيح الأدب المفرد" رقم ٢٢٩.
ووقع في الأصول، وبعض مطبوعات كتب السنة: "أرغب لك رغبة" بالراء والغين، والصواب: "أزْعب لك زَعْبة" بالزاي والعين. والمعنى: أعطيك دفعة من المال. وأصل الزَّعب: الدَّفع والقَسْم، انظر: "النهاية" (٢/ ٣٠٢) لابن الأثير.
(٣) "النتائج": "أوصاف".