للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما قدم بالفضل قوله: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]؛ لأنَّ السجودَ أفضل، و"أَقْرَبُ مَا يَكُوْنُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ" (١).

فإن قيل: فالركوع قبله بالطبع والزمان والعادة؛ لأنه انتقال من علوٍّ إلى انخفاض، والعلوُّ بالطبع قبل الانخفاض، فهلَّا قُدِّم الركوع؟

فالجواب: أن يقال: انتبه لمعنى الآية من قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ولم يقل: اسجدي مع الساجدين، فإنما عبَّر بالسجود عن الصلاة، وأراد صلاتها في بيتها؛ لأنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها مع قومها، ثمَّ قال لها: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، أي: صَلِّي مع المصلين في بيت المقدس.

ولم يُرِد -أيضاً- الركوع وحده دون سائر (٢) أجزاء الصلاة، ولكنه عبَّر بالركوع عن الصلاة كلِّها (٣)، كما تقول: "ركعت ركعتين، وأربع ركعات"، تريدُ الصلاةَ لا الركوعَ بمجرده، فصارت الآية متضمنةً لصلاتين: صلاتها وحدها عبَّر عنها بالسجود؛ لأنَّ السجودَ أفضل حالات العبد، وكذلك صلاةُ المرأة في بيتها أفضل لها. ثمَّ صلاتها في المسجد عبَّر عنها بالركوع؛ لأنه في الفضل دون السجود، وكذلك صلاتها مع المصلين دون صلاتها وحدها في بيتها ومحرابها، وهذا نَظْم بديع، وفقه دقيق، وهذه نُبَذٌ تشير لك إلى ما وراء، أَو تنبذك وأنت صحيحٌ بالعَرَاء (٤).


(١) أخرجه مسلم رقم (٤٨٢)، وأبو داود رقم (٨٧٥)، والنسائي: (٢/ ٢٢٦) وغيرهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) من (ق) و"النتائج".
(٣) من (ق) و"النتائج".
(٤) تحرفت هذه الجملة في (ظ) و"النتائج".