للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النور، كما ثبت ذلك مرفوعاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "صحيح مسلم" (١)، وأما الجانُّ فمادتهم النار بنص القرآن، ولا يصح التفريق بين الجن والجان لغة ولا شرعاً ولا عقلاً.

وأما المقدمة الثانية: وهي كون الملائكة خيراً وأشرف من الإنس؛ فهي المسألة المشهورة وهي تفضيل الملائكة أو البشر (٢)، والجمهور على تفضيل البشر، والذين فضَّلوا الملائكة هم المعتزلة والفلاسفة وطائفة ممن عداهم، بل الذي ينبغي أن يقال في التقديم هنا: إنه تقديمٌ بالزمان لقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: ٢٦ - ٢٧].

وأما تقديم الإنس على الجنِّ في قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٧٤]؛ فلِحِكْمة أخرى سوى ما ذكره، وهو: أن النفي تابع لما تعقله القلوب من الإثبات فيَرِد النفي عليه، وعلم النفوس بطَمْث الإنس ونُفرتها ممن طمثها الرجال هو المعروف، فجاء النفي على مقتضى ذلك، وكان تقديم الإنس في هذا النفي أهمّ.

وأما قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: ٥] فهذا يُعرَف سره من السياق، فإن هذا حكايةُ كلام مؤمني الجن حين سماع القرآن، كما قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ... } [الجن: ١ - ١٥].


(١) رقم (٢٩٩٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها-.
(٢) انظر: "طريق الهجرتين": (ص/ ٤١١)، وهذا الكتاب: (٣/ ١١٠٤)، و"مجموع الفتاوى": (٤/ ٣٥)، و"فتح الباري": (١٣/ ٣٨٦)، وانظر كتاب: "مباحث. المفاضلة في العقيدة": (ص/ ٣٥٤).