للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان القرآن أول (١) ما خُوطِب به الإنس، ونزل على نبيهم، وهم أول من بدأ بالتصديق والتكذيب قبل الجن، فجاء قول مؤمني الجن: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: ٥] بتقديم الإنس لتقدُّمهم في الخطاب بالقرآن، وتقدّمهم بالتصديق والتكذيب.

وفائدة ثالثة (٢): وهي أن هذا حكاية كلام مؤمني الجن لقومهم (٣) بعد أن رجعوا إليهم، فأخبروهم بما سمعوا من القرآن وعَظَمته وهدايته إلى الرشد، ثمَّ اعتذروا عما كانوا يعتقدونه أولاً بخلاف (ق/٢٦ أ) ما سمعوه من الرشد، بأنهم لم يكونوا يظنون أن الإنس والجن لم يقولوا (٤) على الله كذباً، فَذِكْرهم (ظ/١٩ ب) الإنس هنا في التقديم، أحسن في الدعوة وأبلغ في عدم التُّهمة، فإنهم خالفوا ما كانوا يسمعونه من الإنس والجن لما تبيَّن لهم كذبهم (٥)، فبداءتُهم بذكر الإنس أبلغ في نفي الغَرَض والتهمة، وأنه لا يَظُن بهم قومهم أنهم ظاهروا الإنسَ عليهم، فإنهم أول ما أقرُّوا بتقوُّلهم الكذبَ على الله. وهذا من ألطف المعاني وأدقها، ومن تأمل مواقعه في الخطاب عرف صحَّتَه.

وأما تقديم عاد على ثمود حيثُ وقَعَ في القرآن؛ فما ذكره من تقدمهم بالزمان؛ فصحيح، وكذلك الظلمات والنور، وكذلك مَثْنى وبابه.


(١) (ق): "أولى".
(٢) (ق): "ثانية".
(٣) ليست في (ق).
(٤) (ظ): "يقولون".
(٥) (ق): "كذبه".