للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الإِسلام فقد تطهَّر بالتوبة من الشرك، ثمَّ يتطهر بالماء من الحدث.

وأما قوله: {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: ٢٢٢]؛ فالإفك هو: الكذب وهو في القول، والإثم هو: الفجور وهو في الفعل. والكذب يدعو إلى الفجور كما في الحديث الصحيح: "إِنَّ الكَذِبَ يَدْعُو إِلى الفُجُوْرِ وَإِنَّ الفُجُوْرَ يَدْعُو إِلى النَّارِ" (١)؛ فالذي قاله صحيح.

وأَمَّا {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: ١٢] ففيه معنىً ثان غير ما ذكره، وهو: أَنَّ العدوان مجاوزة الحد الذي حُدَّ للعبد، فهو ظلم في القدر والوصف، وأما الإثم فهو: محرَّم الجنس، ومن تعاطَى تعدِّي الحدود تخطى إلى الجنس الآخر، وهو الإثم.

ومعنىً ثالث: وهو أن المعتدي الظالم لعباد الله عدواناً عليهم، والأثيم الظالم لنفسه بالفجور، فكان تقديمه هنا على الأثيم (٢) أولى؛ لأنه في سياق ذَمِّه (ق/٢٦ ب) والنهي عن طاعته، فمن كان معتدياً على العباد ظالماً لهم؛ فهو أحرى بأن لا تطيعه وتوافقه.

وفيه معنىً رابع: وهو أنَّه قدَّمه على الأثيم ليقترن بما قبله، وهو وصف المنع للخير، فوصفه بأنه لا خير فيه للناس، وأنه مع ذلك معتدٍ عليهم، فهو متأخِّر عن المنَّاع؛ لأنه يمنع خيره أوَّلاً ثمَّ يعتدي عليهم ثانياً، ولهذا يحمد الناسُ من يُوجِد لهم الراحة ويكف عنهم الأذى، وهذا هو حقيقة التصوف (٣)، وهذا لا راحة يُوجِدها ولا أذى يكفُّه.


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٠٩٤)، ومسلم رقم (٢٦٠٧) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) (ق): "الاسم"!.
(٣) انظر "مدارج السالكين": (١/ ٤٦٤ - ٤٦٥).