للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما تقديم {هَمَّازٍ} على {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}؛ ففيه معنىً آخر غير ما ذكره، وهو أن همزه عَيْب للمهموزِ، وإِزراء به (١)، وإظهارٌ لفسادِ حاله في نفسه، وهذه قالة (٢) تختص المهموز لا تتعدَّاه إلى غيره، والمشي بالنميمة يتعدَّاه إلى من ينم عنده، فهو ضرر متعدٍّ، والهمز ضررهُ لازم للمهموز إذا شعر به؛ فانتقل (٣) من الأذى اللازم إلى الأذى المتعدِّي المنتشر.

وأما تقديم الرجال على الرُّكبان؛ ففيه فائدة جليلة، وهي: أَنَّ الله تعالى شَرَط في الحج الاستطاعة، ولابدَّ من السفر إليه لغالب الناس، فذكر نوعَي الحُجَّاج لقطع توهُّم من يظن أنَّه لا يجب إلا على راكب، وقدَّم الرجال اهتماماً بهذا المعنى وتأكيداً، ومن الناس من يقول: قدَّمهم جبراً لهم؛ لأن نفوسَ الركبان تزدَرِيهم وتوبِّخهم (٤)، وتقول: إن الله (ظ/ ٢٠ أ) لم يكتبه عليكم ولم يُرِدْه منكم، وربما توهَّموا أنَّه غير نافع لهم، فبدأ بهم جبراً لهم ورحمة.

وأما تقديم غسل الوجه، ثمَّ اليد، ثمَّ مسح الرأس، ثمَّ الرجلين في الوضوء؛ فمن يقول: إن هذا الترتيب واجب وهو: الشافعي وأحمد ومن وافقهما، فالآية عندهم اقتضت التقديم وجوباً لقرائن عديدة:

أحدها: أنَّه أدخل ممسوحاً بين مغسولين، وقطع النظير عن نظيره، ولو أُرِيد الجمع المطلق لكان المناسب أن يذكر المغسولات مُتَّسِقة في النظم، والممسوح بعدها، فلما عدل إلى ذلك؛ دلّ على وجوب ترتيبها على الوجه الذي ذكره الله تعالى.


(١) في (ق) زيادة مقحمة لا وجه لها، هي: "فهو ضرر متعدّ".
(٢) (ق): "وهذه حالة".
(٣) (ظ): "ما ينقل".
(٤) كذا رسمها في (ظ)، وفي (ق): "وتومهم".