للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنظور إليه سبحانه، فلا حاسَّة في العبد أكمل من حاسَّةٍ تَرَاه بها.

الثاني: أن هذا النعيم وهذا العطاء إنما نالوه بواسطة السمع؛ فكان السمع كالوسيلة لهذا المطلوب الأعظم، ففضِيلته (١) عليه كفضِيْلةِ الغايات على وسائلها.

وأما ما ذكرتم من سَعَة إدراكاته وعمومها؛ فيعارضه كثرة الخيانة (٢) فيها ووقوع الغلط، فإن الصواب فيما يدركه السمع، بالإضافة إلى كَثْرة المسموعات؛ قليل في كثير، ويقابل كثير مُدْرَكاته صحة مُدْرَكات البصر، وعدم الخيانة، وأن ما يراه ويشاهده لا يعرض فيه من الكذب ما يعرض فيه فيما يسمعه، وإذا تقابلت المرتبتان؛ بقيَ الترجيح بما ذكرناه.

قال شيخ الإِسلام تقي الدين ابن تيمية (٣) -قدَّس اللهُ روحَه ونور ضريحه-: "وفَصْل الخطاب: أن إدراك السمع أعم وأشمل، وإدراك البصر أتم وأكمل، فهذا له التمام والكمال، وذاك له العموم والشمول، فقد ترجح كل منهما على الآخر بما اختصَّ به" تمَّ كلامُه.

وقد ورد في الحديث المشهور أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر وعمر: "هَذَانِ السَّمْعُ والبَصَرُ" (٤)، وهذا يحتمل أربعة أوجه:

أحدها: أن يكون المراد أنهما منِّي بمنزلة السمع والبصر.


(١) (ظ): "فتفضيله".
(٢) تحرفت هذه وما بعدها في (ق) إلى "الجناية".
(٣) انظر: "الدرء": (٧/ ٣٢٥)، و"الرد على المنطقيين": (ص/ ٩٦).
(٤) أخرجه الترمذي (٣٦٧١)، والحاكم: (٣/ ٦٩).
والحديث أشار الترمذي إلى ضعفه، وصححه الحاكم والألباني، وحسنه الذهبي. انظر "السلسلة الصحيحة" رقم (٨١٤).