للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشاهدة بالبصر القريبة، والسمع يُدرِك الموجودات والمعدومات، والحاضر والغائب، والقريب والبعيد، والواجب والممكن والممتنع (١)، فلا نسبة لإدراك (ق/ ٢٧ ب) البصر إلى إدراكه.

واحتجوا: بأن فَقْدَ السمع يوجب بَكَم القلب واللسان، ولهذا كان الأطرش خِلْقةً لا يَنْطق في الغالب، وأما فقد البصر؛ فربما كان مُعِيْناً على قوة إدراك البصيرة وشدَّةِ ذكائها، فإنَّ نور البصر ينعكس إلى البصيرة باطناً فيقْوَى إدراكُها ويعظُم، ولهذا تجد كثيراً من العميان أو أكثرهم عندهم من الذكاء الوقَّاد، والفطنة وضياء الحس الباطن، مالاً تكاد تجده عند البصير (٢)، ولا ريب أن سَفَر البصر في الجهات والأقطار، ومباشرته للمُبْصَرات على اختلافها، يوجِبُ تفرُّق القلب وتشتيته؛ ولهذا كان الليل أجمع للقلب، والخلوة أعون على إصابة الفكرة.

قالوا: فليس نقص فاقد السمع كنقص فاقد البصر، ولهذا كثير في العلماء والفضلاء وأئمة الإِسلام من هو أعمى (٣)، ولم يُعرف فيهم واحد أطرش، بل لا يعرف في الصحابة أطرش، فهذا ونحوه من احتجاجهم على تفضيل السمع.

قال مُنَازعوهم: يفصل بيننا وبينكم أمران:

أحدهما: أن مَدْرَك البصر هو النظر إلى وجه الله تعالى في الدار الآخرة، وهو أفضل نعيم أهل الجنة وأحبه إليهم، ولا شيءَ أكمل من


(١) ليست في (ق).
(٢) انظر "نكْت الهميان في أخبار العميان": (ص/ ٨٣ - ٨٦) للصفدي.
(٣) جمعهم الصفدي في كتابه المتقدم.