للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلم والحلم (١)، فمن الأوّل: قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧]، ومن الثاني: قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢] فما قُرِن شيءٌ إلى شيء أحسن من حلم إلى علم، ومن رحمة إلى علم.

وحَمَلة العرش أربعة (٢)؛ اثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، واثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.

فاقتران العفو بالقدرة كاقتران الحلم والرحمة بالعلم؛ لأن العفو إنما يحسن عند القدرة، وكذلك الحلم والرحمة إنما يحسُن مع العلم.

وقدَّم "الرحيم" في هذا الموضع لتقدُّم صفة العلم، فحَسُن ذكر "الرحيم" بعده ليقترن به فيطابق قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧].

ثمَّ ختم الآيةَ بذكر صفة المغفرة لتضمُّنها دفع الشر وتضمّن ما قبلها جلب الخير، ولما كان دفع الشر مقدَّماً على جلب الخير، قدم اسم "الغفور" على "الرحيم" حيثُ وقع. ولما كان في هذا الموضع معارض يقتضي تقديم اسمه "الرحيم" لأجل ما قبله؛ قُدِّم على "الغفور".

* وأما قوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]؛ فقد أبعد النُّجْعَة فيما تعسَّفه من فائدة التقديم، وأتى بما ينبو اللفظُ عنه.


(١) (ق): "الحكم" في كل المواضع بعدها حتى الآية، وما في (ظ ود) أصح.
(٢) كذا في الأصول، وفي عدد من كتب المؤلف؛ لكن الذي أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (٣/ ٩٥٤)، والذهبي في "العلو" (١/ ٥٧١) عن بعض السلف: أن حملةَ العرش ثمانية؛ أربعة يقولون كذا ... وأربعة يقولون كذا ...