للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفعل الثاني بالأول، في أن أحدهما كالعلة للآخر، بخلاف الظرف إذا قلت: "حين قام زيد قام عَمْرو"، فجعلت أحدهما وقتًا للآخر على اتفاقٍ لا على ارتباط، فلذلك زادوا "أنْ" بعدها صيانةً لهذا المعنى، وتخليصًا له من الاحتمال العارض في الظرف؛ إذ ليس الظرف من الزمان بحرف، فيكون قد جاء لمعنى كما جاءت "لما".

وقد زعم الفارسي أنها مركبة من "لم" و"ما". قال السُّهيلي (١): ولا أدري ما وجه قوله، وهي عندي من الحروف التي في لفظها شَبَه من الاشتقاق، وإشارة إلى مادة هي مأخوذة منها، نحو ما تقدم في "سوف" و"ثم"؛ لأنكْ تقول: "لممتُ الشيءَ لمًّا (٢) ". إذا ضممتَ بعضَه إلى بعض، وهذا نحوٌ من هذا المعنى الذي سيقت إليه؛ لأنه ربط فعل بفعل على جهة التسبيب أو التعقيب، فإذا كان التسبيب حَسُن إدخال "أن" بعدها زائدة (ظ/٢٦ أ) إشعارًا بمعنى المفعول من أجلة، وإن لم يكن مفعولًا من أجله, نحو قوله: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: ٣٣] , و {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف: ٩٦] ونحوه.

وإذا كاد التعقيب مجردًا من التسبيب، لم يحسن زيادة "أن" بعد "لما" (٣) وتأمَّلْه في القرآن.

وأما "أن" التي للتفسير؛ فليست مع ما بعدها بتأويل المصدر، ولكنها تشارك "أن" التي: تقدَّم ذكرُها بعض معانيها؛ لأنها تحصينٌ (٤) لما بعدها من الاحتمالات, وتفسير لما قبلها من الصادر المجْمَلات،


(١) "نتائج الفكر": (ص/ ١٢٧).
(٢) سقطت من (ق).
(٣) (ظ ود): "بعدها".
(٤) سقطت من (ق).