للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما "لن" (١) فهي عند الخليل مركبة من "لا" و"أن" (٢)، ولا يلزم ما اعترض عليه سيبويه من تقديم المفعول عليها، لأنه يجوز في المركبات مالا يجوز في البسائط. واحتج الخليلُ بقول جابر [الطائي] (٣)، وهو من شعراء الجاهلية:

فإن أُمْسِك فإنَّ العيشَ حُلْوٌ ... إليَّ كأنَّه عَسَلٌ مَشُوْبُ

يُرجِّي المرءُ ما لا أن يُلاقي ... وتعرضُ دونَ أَبعدِهِ خُطُوبُ (٤)

فإذا ثبت ذلك فمعناها نفي الإمكان بـ "أن" كما تقدم.

وكان ينبغي أن تكون جازمة كـ "لم"؛ لأنها حرف نفي مختص بالفعل، فوجب أن يكون عمله الجزم الذي هو نفي الحركة وانقطاع الصوت ليتطابق اللفظ والمعنى، وقد فعل ذلك بعض العرب، فجزم بها حين لحَظَ هذا الأسلوب، ولكن أكثرهم ينصب (ق/٣٦ ب)، بها مراعاة لـ "أن" المركبة فيها مع "لا"؛ إذ هي من جهة الفعل وأقرب إلى لفظه، فهي أحق بالمراعاة من معنى النفي، فرب نفي لا يجزم الأفعال، وذلك إذا لم يختص بها دون الأسماء، والنفي في هذا الحرف إنما جاءه من قبل "لا"، وهي (ظ/٢٦ ب) غير عاملة لعدم اختصاصها، فلذلك كان النصب بها أولى من الجزم. على أنها قد ضارعت "لم" لتقارب المعنى واللفظ، حتى قُدِّم عليها معمول فعلها،


(١) (ظ): "أن".
(٢) (ق): "لن".
(٣) في الأصول: "الأنصاري"، والتصويب من المصادر.
(٤) وقع في البيتين تحريف ونقص في الأصول، والتصويب من المصادر، وهما لجابر بن رألان الطائي، وفي رواية الثاني منهما اختلاف. انظر "النوادر": (ص / ٢٦٤ - الشروق)، لأبي زيد، و"خزانة الأدب": (٨/ ٤٤٠) للبغدادي.