للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: "زيدًا لن أضرب"، كما قالوا: "زيدًا لم أضرب".

ومن خواصِّها تخليصها الفعل للاستقبال، بعد أن كان محتملًا للحال، فأغنت عن "السين" و"سوف"، وجُلُّ هذه النواصب تخلِّص الفعل للاستقبال (١).

ومن خواصِّها: أنها تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف "لا" إذا قلت: "لا يقوم زيد أبدًا"، وقد قدمنا أن الألفاظ مشاكلة (٢) للمعاني التي هي (٣) أرواحها, يتفرَّس الفطن فيها حقيقة المعنى، بطبعه وحسه، كما يتعرَّف الصادق الفراسةِ صفاتَ الأرواح في الأجساد من قوالبها بفطنته.

وقلت يومًا لشيخنا أبي العباس ابن تيمية -قدس الله روحه-: قال ابن جنِّي (٤): مكثت بُرْهةً إذا ورد علىَّ لفظ آخذ معناه من نفس حروفه وصفاتها وجَرْسه وكيفية تركيبه، ثم أكشفه، فإذا هو كما ظننته أو قريبًا منه، فقال لي رحمه الله: "وهذا كثيرًا ما يقع لي".

وتأمل حرف "لا" كيف تجدها: لامًا بعدها ألف، يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه ضيق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، و"لن" بعكس ذلك، فتأمله، فإنه معنىً بديع.


(١) من قوله "بعد أن كان ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) (ق): "مشاركة". وانظر (ص/ ٧٠) فيما تقدم.
(٣) سقطت من (ظ ود).
(٤) هو: أبو الفتح عثمان بن جِنِّي الموصلي النحوي، من أئمة العربية خاصة التصريف ت (٣٩٢). انظر: "إنباه الرواة": (٢/ ٣٣٥)، و"وفيات الأعيان": (٣/ ٢٤٦). وقد ذكر المؤلف نحو هذا عن شيخه في "جلاء الأفهام" (ص/ ١٤٧).