للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانظر كيف جاء في أفصح الكلام كلام الله: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجمعة: ٧] بحرف "لا" في الموضع الذي اقترن به حرف الشرط بالفعل، فصار من صيغ العموم، فانسحب (١) على جميع الأزمنة، وهو قوله عز وجل: {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [الجمعة: ٦] كأنه يقول: متى زعموا ذلك لوقتٍ من الأوقات أو زمنٍ من الأزمان، وقيل لهم: "تمنوا الموت"، فلا يتمنونه أبدًا. وحرف الشرط دلَّ على هذا المعنى، وحرف "لا" في الجواب بإزاء صيغة العموم، لاتِّساع معنى النفي فيها.

وقال في سورة البقرة: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ} فقصَّر (٢) من سَعَة النفي وقرَّب، لأن قبله: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ}؛ لأن "إن" و"كان" هنا ليست من صِيَغ العموم؛ لأن "كان" ليست بدالَّةٍ على حدث، وإنما هي داخلة على المبتدأ، والخبر عبارة عن مُضِيِّ الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث، فكأنه يقول عز وجل: إن كان قد وجبت لكم الدار الآخرة، وثبتت لكم في علم الله؛ فتمنوا الموت الآن، ثم قال في الجواب: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ} (ق/ ١٣ أ)، فانتظم معنى الجواب بمعنى الخطاب في الآيتين جميعًا.

وليس في قوله: {أَبَدَا} ما يناقض ما قلناه، فقد تكون "أبدًا" بعد فعل الحال؛ تقول: "زيد يقوم أبدًا".

ومن أجلِ ما تقدم من قصور معنى النفي في "لن"، وطوله في "لا" يعلمُ الموفقُ قصور المعتزلة في فهم كلام الله حيث جعلوا "لن"


(١) (ق): "ما انسحب".
(٢) (ق): "فقضى".