للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعدم الجزم، ولكن إذا كانت "لا" في معنى الدعاء؛ جاز وقوع الفعل يعدها بلفظ الماضي، ثم قد يوجد بعد ذلك لوجوهٍ:

منها: أنهم أرادوا أن يجمعوا التفاؤل (ق/٣٩ ب) مع الدعاء في لفظ وأحد، فجاءوا بلفظ الفعل الحاصل في مَعْرِض الدعاء تفاؤلًا بالإجابة، فقالوا: "لا خَيَّبك الله".

وأيضًا: فالداعي قد يُضَمِّن دعاءَه القصد إلى إعلام السامع وإخبار المخاطب بأنه داعٍ، فجاءوا بلفظ الخبر، إشعارًا بما تضمنه من معني الإخبار، نحو: "أعزَّك اللهُ وأكرمك"، و"لا رحم فلانًا"، جمعتَ بين الدعاء والإخبار بأنك (١) داعٍ.

ويوضح ذلك أنك لا تقول ذلك في حال مناجاتك الله ودعائك لنفسك، لا تقول: "رحمتني ربِّ" و"رزقتني" و"غفرت لي"، كما: تقول للمخاطَب: "رحمكَ اللهُ ورزقكَ وغفرَ لك"، إذ لا أحد في حال مناجاتك يَقصد إخباره وإعلامه، وإنما أنت داعٍ وسائل محض.

فإن قيل: وكيف لم يخافوا اللبس كما خافوه في النهي؟.

قلنا: للدعاء هيئة ترفع الالتباس، وذِكْر الله مع الفعل ليس بمنزلة ذكر الناس، فتأَمَّله فإنه بديعٌ في النظر والقياس، فقد جاءت أشياء بلفظ الخبر وهي في معني الأمر والنهي. منها قول عمر -رضي الله عنه-: "صلي رجل في كذا وكذا من اللباس" (٢)، وقولهم: "أنْجَزَ حُرٌّ مَا وَعَد" (٣).


(١) (ظ ود): "فإنك".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٦٥).
(٣) يقال: أول من قالها: الحارثُ بن عَمْرو آكل المرار، ولها قصة.
انظر: "مجمع الأمثال": (٣/ ٣٧١).