للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالجواز من: "إن تَزُرْني زُرْتُك"، والتقرير الذي قرره من كون (١) المستقبل هو الأصل: في هذا الباب والماضي دخيل عليه، فإذا قُدِّم الأصل كان أولى بالجوار يرجّح ما ذكره، فالترجيحان حق، ولا فرق بين الصورتين وكلاهما جائز، هذا هو الإنصاف في المسألة، والله أعلم.

ولكن هنا دقيقة تشير إلى ترجيح قول الجماعة، وهي: أن الفعل الواقع بعد حرف الشرط تارة يكون القصد إليه والاعتماد عليه، فيكون هو مطلوب المعلق، وجعل الجزاء باعثًا ووسيلة إلى تحصيله، وفي هذا الموضع يتأكد أو يتعين الإتيان فيه (ق/ ٤١ أ) بلفظ المضارع الدال على أن المقصود منه أن يأتي به فيوقعه، وظهور القصد المعنوي إليه أوجَبَ تأثير العمل اللفظي فيه، ليطابق المعنى اللفظ، فيجتمع التأثيران (٢)؛ اللفظي والمعنوي. والذي يدلُّ على هذا: أنهم قلبوا لفظ الفعل الماضي إلى المستقبل في الشرط لهذا المعنى، حتى يظهر تأثير الشرط فيه واقتضاؤه له.

وإذا كان الكلام معتمدًا على الجزاء والقصد إليه، والشرط جُعِل تابعًا ووسيلة إليه؛ كان الإتيان فيه بلفظ الماضي حسًنا أو أحسن من المستقبل، فزِنْ بهده القاعدة ما يَرِدُ عليك من هذا الباب.

فمنه: قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧] فانظر كيف جعل فعل الشرط ماضيًا والجزاء مستقبلًا؛ لأن القصد كان إلى دخولهم المسجد الحرام، وعنايتهم كلها مصروفة إليه (٣)،


(١) (ظ): "جوّز" و (د): "جواز"!.
(٢) (ق): "التأثيرات فيه".
(٣) (ظ ود): "إليهم" وصوّبت فى هامش (د).