للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إن قمتَ قمتُ"؟.

قيل: هذا سؤالٌ حسن (ظ/٢٩ ب)، وجوابه: أنهم لما أبرموا (١) تلك الفائدة في فعل الشرط؛ قصدوا معها تحسين اللفظ، ومشاكلة أوله لآخره وازدواجِه واعتدال أجزائه، فأتوا بالجزاء ماضيًا لهذه الحكمة، فإن لفظتي الشَّرط والجزاء كالأخوين الشقيقين، وأنت تراهم يغيرون اللفظ عن جهته وما يستحقه لأجل المعادلة والمشاكلة، فيقولون: "أتيته بالغَدَايا والعَشَايا"؛ و"مأزورات غير مأجورات" (٢)، ونظائره، ألا ترى كيف حَسُن: "إن تَزُرْني أَزُرْك"، و"إن زُرْتني زُرْتُك"، وقَبُحَ: "إن تَزُرْني زُرْتُك"، وتوسط: "إن (٣) زُرتَني أَزُرْك"، فَحَسُنَ الأوَّلان للمشاكلة، وقَبُح الثالث للمنافرة، حتى منع منه (٤) أكثرُ النحاة وأجازه جماعة، منهم: أبو عبد الله بن مالك وغيره, وهو الصواب، لكثرة شواهده وصِحَّة قياسه على الصورة الواقعة، وادَّعى أنه أولى بالجواز منها، قال: لأن المستقبل في هذا الباب هو الأصل والماضي فرع عليه، فإذا أجزتم أن يكون الماضي أولًا والمستقبل بعده فجواز الإتيان بالمستقبل الذي هو الأصل أولى والماضي بعده أَوْلى.

والتقرير الذي قدمناه من كون الشرط سابقًا على الجزاء فهو ماض بالنسبة إليه يدل على ترجيح قولهم: "وإن زرتني أَزُرْك"، أولى


(١) (ق): "أعربوا".
(٢) جاء في حديث أخرجه ابن ماجه رقم (١٥٧٨)، والبيهقي في "الكبرى": (٤/ ٧٧)، وغيرهم من حديث علي -رضي الله عنه- في نساء تبعن جنازة، وفي سنده ضعف، وانظر "مصباح الزجاجة": (١/ ١٨٠)، و"كشف الخفاء": (١/ ١١٧).
(٣) سقطت من (ظ ود).
(٤) سقطت من (ق).