للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أن الأصل هو المعنى المفرد، وأن يكون اللفظ الدال عليه مفردًا؛ لأَنَّ اللفظ قالب المعنى ولباسه يحتدي حذوه، والمناسبة الحقيقية ثابتة (١) بين اللفظ والمعنى طولًا وقصرًا، وخِفَّة وثقلًا، وكثرةً وقِلَّة، وحركة وسكونًا، وشدَّةً ولينًا، فإن كان المعنى مفردًا أفردوا لفظه، وإن كان مركبًا ركبوا اللفظ، وإن كان طويلًا طوَّلوه، كـ "العنطنط" و"العشنَّق" للطويل، فانظر إلى طول هذا اللفظ لطول معناه، وانظر إلى لفظ "بُحْتُر" وما فيه من الضم والاجتماع لما كان مسماه القصير المجتمع الخلق، وكذلك لفظة "الحديد" و"الحجر" و"الشدة" و"القوة" ونحوها تجد في ألفاظها ما يناسب مسمياتها، وكذلك لفظا "الحركة" و"السكون" مناسبتهما لمُسَمَّيَيْهِما معلومة بالحس، وكذلك لفظ "الدوران" و"النزوان" و"الغليان" وبابه في لفظها من تتابع الحركة ما يدل على تتابع حركة مسماها؛ وكذلك "الدجال" و"الجرَّاح" و"الضرَّاب" و"الأفَّاك" في تكرر الحرف المضاعَف منها ما يدل على تكرر المعنى. وكذلك "الغضبان" و"الظمآن" و"الحيران" وبابه، صِيْغ على هذا البناء الذي (٢) يتسع النطق به ويمتلئ الفم بلفظه لامتلاء حامله من هذه المعاني، فكان الغضبان هو الممتلئ غضبًا، الذي قد أتسع غضبُه حتى ملأ قلبَه وجوارحَه، (ظ/ ٣٠ ب) وكذلك بقيتها.

ولا يتسع المقام لبسط هذا فإنه يطول ويَدِق جدًّا حتى تَكِعّ (٣) عنه أكثر الأفهام وتنبو عنه للطافته، فإنه ينشأ من جوهر الحرف تارةً،


(١) في هامش (ظ): "معتبرة".
(٢) سقطت من (ق).
(٣) أي: تضعف وتجبن، وانظر ص / ٣٢٥ السطر التاسع.