للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العذاب أتت مفردةً، سرُّ ذلك: أنَّ رياح الرحمة (١) مختلفة الصِّفات والمهابِّ والمنافع، وإذا هاجت منها ريحٌ أنشأ لها ما يقابلها ما يكسر سَوْرتها ويصدم حِدَّتها، فينشأ من بينهما ريحٌ لطيفة تنفع الحيوان والنبات، فكل ريح منها في مقابلها ما يعدلها ويردّ سَوْرتها، فكانت في الرحمة رياحًا (٢). وأما في العذاب: فإنها تأتى من وجهٍ واحد وصِمام (٣) واحد، لا يقوم لها شيء ولا يعارضها غيرُها، حتى تنتهي إلى حيث أُمِرَت (ظ/٣٣ ب)، لا يرد سَوْرتها ولا يكسر سرَّتها، فتمتثل ما أُمِرَت به وتصيب ما أُرسلت إليه. ولهذا وصف -سبحانه- الريحَ التي أرسلها على عادٍ بأنها عقيم، فقال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: ٤١]، وهي التي (٤) لا تُلْقح ولا خير فيها، والتي تُعْقِم ما مَرَّت عليه.

ثم تأمل كيف اطرد هذا إلا قي قوله تعالى في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: ٢٢] فذكر ريح الرحمة الطيبة بلفظ الإفراد؛ لأن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها، فإن السفينة لا تسير إلا يريحٍ واحدة من وجه واحد تسيرها، فإذا اختلفت عليها الرياح وتصادمت وتقابلت؛ فهو سبب الهلاك، فالمطلوب هناك ريح واحدة لا رياح، وأكَّدَ هذا المعنى بوصفها بالطِّيْب دفعًا لتوهُّمِ أن تكون ريحًا عاصفة، بل هي مما يُفرح بها لِطِيْبها، فلَينزِّه الفَطنُ بصيرَتَه في هذه الرياض المونقة المعجبة


(١) سقطت من (ق)، ومن قوله: "أتت مجموعة ... " إلى هنا ساقط من (د).
(٢) (ظ): "ريحًا".
(٣) (ظ ود): "حمام"!.
(٤) ليست في (ق).