للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلفه وعن يمينه وعن شماله، ولا يحسُنُ هنا: "وعن يمينهم وعن شمالهم" بل الجمع هاهنا من (١) مقابلة الجملة بالجملة المقتضي توزيع الأفراد على الأفراد (٢)، ونظيره: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦].

وقد قال بعض الناس: إن الشمائل إنما جُمعت في الظِّلال، وأُفرد اليمين؛ لأن الظل حين ينشأ أول النهار يكون في غاية الطول، ثم يبدو كذلك ظِلاًّ واحدًا من جهة اليمين، ثم يأخذ في النقصان، وأما إذا أخذ في جهة الشمال فإنه يتزايد شيئًا فشيئًا، والثاني منه غير الأول، فكلما (٣) زاد منه شيءٌ فهو غير ما كان قبله، فصار كلُّ جزءٍ مه كأنه ظلٌّ، فحَسُن جمع الشمائل في مقابلة تعدُّد الظلال، وهذا معنًى حسن.

ومن هذا المعنى (٤) مجيء المشرق والمغرب في القرآن تارةً مجموعَيْن، وتارة منثنَّيين، وتارة مفردين؛ لاختصاصِ كلِّ محلٍّ بما يقتضيه من ذلك، فالأول: كقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: ٤٠] والثاني: كقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨)} [الرحمن: ١٧ - ١٨] والثالث: كقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} [المزمل: ٩]، فتأمّلُ هده الحكمةِ البالغة في تغاير هده المواضع في الإفراد والجمع والتثنية بحسب مواردها يُطْلِعُك على عظمة القرآن وجلالته، وأنه تنزيلٌ من حكيم حميد.


(١) (ق): "في الجمع هاهنا في ... "، وفي (د): "في".
(٢) "على الإفراد" سقطت من (ظ ود).
(٣) (ظ ود): "فلما زاد منه شيئًا".
(٤) (ق): "الباب".