للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صبيًا فكيف نكلمه؟ في هذا هو المعنى الذي حامَ حوله من قال من المفسرين والمعربين: إن "كان" هنا (١) بمعنى يكون، لكنهم لم يأتوا إله من بابه، بل ألقوه عُطْلاً من تقدير وتنزيل، وعزب عن (٢) فهم غيرهم هذا للُطْفه ودقَّته، فقالوا: "كان" زائدة، والوجه ما أخبرتك به، فخده عَفْوًا، لك غُنمه (٣) وعلى سِوَاك غرمه، هذا مع أن "مَن" (٤) في الآية قد عمل فيها الفعل، وليس لها جواب، ومعنى الشرطية قائم فيها، فكذلك في قوله: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)}، وهذا كلُّه مفهومٌ من كلام فحول النحاة، كالزَّجَّاج (٥) وغيره.

فإذا ثبت هذا، فقد وضَحَت (٦) الحكمة التي من أجلها جاء الفعل بلفظ الماضى من قوله: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) بخلاف قوله: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)}، لبعد "ما" فيها عن معنى الشرط؛ تنبيهًا من الله على عصمة نبيه أن يكون له معبود سواه، وأن يتنقل في المعبودات تنقل الكافرين.

وأما المسألة الرابعة وهي: أنه لم يأتِ النفي في حقهم إلا باسم الفاعل، وفي جهته جاء بالفعل المستقبل تارةً وباسم الفاعل أُخرى، فذلك -والله أعلم- لحكمة بديعة، وهى: أن المقصود الأعظم براءته من معبوديهم بكل وجه وفي كل وقت، فأتى أولاً بصيغة الفعل الدالة


(١) (ظ ود): "أنه كان نبيًّا".
(٢) من (ق).
(٣) (ظ): "عزمه".
(٤) (ظ): "هل على من"!.
(٥) هو: إبراهيم بن السَّريّ بن سهل، أبو إسحاق الزجَّاج النحوي ت (٣١١).
انظر: "معجم الأدباء": (١/ ١٣٠)، و"إنباه الرواة": (١/ ١٩٤).
(٦) (ظ ود): "صحت".